مسئولية الكتابة

كثيراً ما يتم الحديث عن إشكالية العرب الحقيقية في علاقتهم بالقراءة، حيث الغالبية العربية لا تميل إلى القراءة ولا تمارسها، والأقلية التي تميل وتقدّر القراءة تتوزع بين من يقرأ بشغف وحب للإستزادة المعرفية، ومن بالكاد يوفر لنفسه الوقت الكافي للقراءة، ومن يقرأ ما لا يضيف إليه شيئاً.
أما عن علاقة العرب بالكتابة، وخصوصاً في هذا العصر العربي الرديئ، وبحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002، فهناك تدني شديد في الإنتاج الفكري العربي، إذ تعتبر الكتابة في هذا العصر صناعة إنتاجية لا قيمة لها في الإقتصاديات العربية من ناحية، وما يتم إنتاجه لا يرقى لتلبية متطلبات الحداثة والتنوير والتطوير من ناحية أخرى.


هذه مقدمة بسيطة في الإشكالية العربية في مجال القراءة والكتابة، وضرورية كمدخل لطرح رؤية خاصة فيما يخص هاتين الإشكاليتين في البحرين، والذي سوف أختصرها في فئة الكتاب والصحفيين وبعض السياسيين الذين لهم أقلام مقروءة من خلال الإعلام المحلي، وذلك لما لهاتين الإشكاليتين من دور كبير في الوعي الثقافي السلبي أو الإيجابي للمجتمع، وما لهما من تأثير كبير في الحراك السياسي والتوجهات الفكرية المختلفة، إضافة لدورهما في تنمية وتوجيه الثقافة الوطنية والثقافة السياسية، ودورهما في تشكيل الرأي العام سلباً أو إيجاباً، وخصوصاً في ظل الهيمنة الثقافية والإعلامية الغربية التي بدأت تتبلور معالمها بوضوح شديد في بعض الأقلام المحلية التي إن لم تكن مبرمجة بشكل منظم بمقابل مادي أو معنوي، فهي تعمل ضمن توجه عفوي غير مستدركة للتأثير السلبي والكارثي لأدوارها في مجتمعات بقيت لعقود طويلة بعيدة عن الإنفتاح الفكري على العالم.
لهاتين الإشكاليتين الخطيرتين أبعاد مختلفة في المجتمع البحريني، الذي تناوبت على ساحته الثقافية بعض الأقلام التي، بسبب إنفرادها بصناعة الكتابة لفترة زمنية طويلة، أصبحت مقروءة ومسموعة، كما أصبحت تحمل إسمأً إعلامياً بحكم التكرار اليومي في ممارسة هذا العمل. وفي ظل الانفتاح السياسي اليوم يمكن، وبل يجب، أن نقيّم هذه الأقلام القديمة منها والجديدة لتوضع ضمن تصنيفاتها السليمة خوفاً من إختلاط الأمر وتداخل القلم السياسي في العلمي، والقلم الإدبي في السياسي ... الخ. هذه التصنيفات تتوزع بين الأقلام الأدبية، والأقلام الصحفية على مستوى الخبر والمحليات، والأقلام التي بالكاد يمكن أن تحلل الشأن المحلي سياسياً ولا يمكن أن ترقى إلى الشأن القومي أو العالمي، والاقلام السردية التي لا يجب أن تتدخل في الشأن التحليلي ولا الشأن السياسي لخطورة الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها. في النهاية يجب على هذا المجتمع أن يميّز بين هذه الأقلام كي يتعلم القارئ العادي من أين يحصل على ما يبحث عنه سواء في الشأن المحلي أو الأدبي أو السياسي أو غير ذلك.
ولكن ... وعودة لإشكالية القراءة والكتابة، هناك علة رئيسية في غالبية كتابنا البحرينيين، تتركز في ضعف علاقتهم بالقراءة، فهم يمارسون عملية الكتابة في شئون كثيرة بدون عمق فكري يتم الوصول إليه من خلال القراءة الدائمة والإطلاع المستمر وما لذلك من علاقة بعملية التقصي والبحث قبل تحمل مسئولية الكتابة التي هي ليست بأقل من مسئولية تربية الأبناء لإنتاج جيل صالح وسليم البنية الفكرية والجسدية.
أما إكتشاف هذا الخلل في علاقة الكاتب بالقراءة في البحرين فيمكن رصده ببساطة شديدة من خلال متابعة الصحف المحلية لمدة أسبوعين متتاليين، ومن خلال حضور بعض الندوات والمحاضرات التي تقدم بواسطة هؤلاء الكتاب، والذي يتجرأ بعضهم بالوقوف على المنبر لتقديم ندوة سياسية في شأن ذات أبعاد فكرية وسياسية عميقة دون أن يكون له أي بعد أو عمق فكري ومعرفي في ذلك الشأن، مما يعطي المؤشر الذي لا يمكن تجاهله عن ضعف الكاتب في البحث عن مصادر معرفية عن الموضوع الذي يتكلم فيه، إضافة لعدم إلمامه بضخامة المسئولية التي يتحملها في بثه العلني لأفكاره التي لا ترقى لمستوى أهمية الموضوع وتأثيراته المختلفة الاتجاهات.
وللحديث صلة ....


كلمات دالة: