حرية الصحافة..ومقال رئيس التحرير

"الصحافة الحرة هي أحد عناصر المجتمع الديمقراطي الذي بدوره يعتبر مطلباً أساسياً لتنمية مستدامة اجتماعية واقتصادية"

هذه هي الحقيقة التي وجدتها تستقر في تفكيري فورا بعد أن فرغت من قراءة مقال الأستاذ أنور عبد الرحمان رئيس التحرير الذي نشر على الصفحة الأولى من "أخبار الخليج" يوم الخميس الماضي الموافق السابع من أغسطس الجاري.
ووجدت نفسي أمسم بالقلم والورق لأسطر رسالة إلى رئيس التحرير أعبّر فيها عن رأيي في ما كتب .. ونصها ما يلي:

أستاذي الفاضل أنور عبد الرحمان:

كم كان تعبيركم صادقا ًوجميلاً عن حيرتكم الشديدة أثناء مناقشة موضوع حرية الصحافة في اجتماعكم الأخير مع سعادة الاستاذ محمد المطوع يوم الأثنين الرابع من أغسطس الحالي، تلك الحيرة التي أجدتم التعبير عنها من خلال قصيدة الشاعر الكبير أيليا أبوماضي (لست أدري).
وعلى أثر المناقشات المطولة التي دارت بيننا سابقاً في هذا المجال، لا يسعني هنا إلا أن أعبر لكم عن إعترافي بإحساسي الشديد بشعوركم هذا الذي حاولتم أن توجهوه بشكل أو بآخر، عسى أن تتمكنوا من توضيح رأيكم في هذا الموضوع شديد الحساسية.


وفي هذا المجال ايضاً، أتمنى أن أوضح، في رسالتي هذه، بعض الأمور التي يمكن أن تضعوها في خانة رأي الطرف الآخر في مؤسسة الحرية التي دار نقاشكم حولها مع سعادة الوزير:
أولاً : إن ممارسة حرية التعبير عن الرأي تختلف من حالة لأخرى، فلا يمكن أن تكون ممارسة الحرية في حالة الإنقلابات الثورية، هي نفس الممارسة في حال الإنقلاب الإصلاحي المتفق عليه بين المجتمع والسلطة الحاكمة، إذ الثورة تعني الإنقلاب على كل ما هو قائم وقبول المجازفة بشتى أنواع المقاومة للحصول على المطالب، بينما في وضع الإنقلاب الإصلاحي المتفق عليه بين أي طرفين فهناك ما يجب أن يتم الاتفاق عليه في سبل حماية ممارسة الحرية دون أن تتسبب هذه الممارسة في أية أضرار للوطن أولاً، أو الإضرار بمصالح المجتمع أولاً وثانياً، ودون أن تستغل حرية الصحافة كذريعة للقضاء على روح الإصلاح وتكبيل أحد الطرفين للآخر بقيود جديدة وبمسميات جديدة.
ثانياً : إن ممارسة الحرية تبدأ بالسلوك الذهني قبل أن تبدأ بالسلوك العملي، وما يدور من حديث عن حرية الصحافة في البحرين فيه الكثير من عدم الدقة والوضوح، إذ إن ممارسة الحرية في الحالة الإصلاحية التي نعيشها، وفي مجتمعات مثل مجتمعاتنا التي لم تتعود الحرية في جميع مناحي الحياة، بحاجة ماسة للبدء بالحماية، أي البدء بحماية ممارسة الحرية، بجانب حماية سوء اسـتغلال الحرية، فنحن لا زلنا نخطو خطوة للولوج من باب هذه الحرية ونتراجع ثلاث خطوات، فكيف نضع أسس وتقاليد خاصة بحماية قيم الحرية بينما نحن نعاني من هذا التردد الكبير في ممارستها، أو يمكن أن نقول بأننا لا زلنا لا نمارسها لا ذهنياً ولا عملياً بدون خوف أو الشعور بالمجازفة.
ثالثاً : لأجل حماية ممارسة الحرية، على طرفي المعادلة الإصلاحية أن يبني مؤسسات وسلطات وتشريعات حقيقية وكوادر تملك الصلاحيات التنفيذية كما تملك ثقة الطرفين في نفس الوقت، تلك المؤسسات والسلطات التي تحمي الأسس السليمة لممارسة حرية الصحافة والتعبير عن الرأي على جميع المستويات، وإلا فإن طرفي المعادلة سوف يبقيان تحت تهديد سيف الحرية، التي سوف تبقى بدورها محور جدال وخلاف واختلاف دون الوصول لحل جذري.
رابعاً : إن البحرين التي عاشت ولا تزال تعيش تاريخاً من الحراك السياسي والثقافي الحافل على مدار عقود طويلة، والذي بدأ يعطي ثماره ونتاجه من خلال العملية الإصلاحية التي نعيشها جميعاً، لا يمكن أن تبقى بمنأى عن حرية إعلامية حقيقية، وخصوصاً إن دول خليجية لا تملك هذا التاريخ وهذا الحراك السياسي والثقافي الذي نعيشه، سبقت البحرين في خطوات واسعة نحو الصحافة الحرة والموثوق بها دولياً. وهذا ما يدفعنا للتساؤل، ما الذي ينقصنا في البحرين لتحقيق هذا التقدم الإعلامي وأن نكون إحدى المحطات الإعلامية الهامة على مستوى المنطقة والعالم.
الإجابة على هذا التساؤل يتلخص في كلمتين وهما (نقص الحرية)، فالمجتمعات الإعلامية الخارجية لا تأخذ ولا تثق بالإعلام الرازح تحت الرقابة الشديدة، والإعلام الذي لا يستنشق الحرية، وهذا ما علينا مناقشته والتحقق منه إن كنا نطمح بأن يكون للبحرين شأن في مجال حرية الإعلام بشكل عام.
وتفضلوا بقبول فائق الشكر والأحترام .


كلمات دالة: