لا يا سعادة السفير

الحقيقة الوحيدة التي ذكرها السيد نيومان، سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى البحرين في لقائه مع الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس تحرير جريدة أخبار الخليج، هي تلك الجملة الختامية التي قالها في نهاية اللقاء: "اننا نثق في الشعب العراقي وفي إصراره وقدرته على مواجهة التحديات وعزمه الأكيد على الا يقع مرة أخر ضحية لنظام ديكتاتوري آخر". هذه هي الحقيقة التي عرفها الأمريكان بعد أن دخلوا العراق وتعرفوا على الشعب العراقي، وهي إنه شعب عالي القدرات وقادر على مواجهة التحديات ويملك عزيمة أكيدة في التخلص من أي ديكتاتورية، ولن يقبل أن يحكمه الأجنبي حتى لو كان هذا الأجنبي الدولة العظمى الوحيدة في العالم، ولذلك ينظم العراقيون صفوفهم كل يوم للإستمرار في مقاومة الإحتلال.
أما كل تلك العبارات الإنشائية المنمقة التي ذكرها قبل هذه الجملة الوداعية، فلا يخفى على جميع الشعوب المسحوقة بسبب الممارسات الأمريكية في العالم، إنها بعيدة عن الحقيقة والواقع، وإن شعوب العالم، بما فيها الشعب الأمريكي والبريطاني، تدرك جيداً إن الإدارة الإمريكية، بعد فشلها في إثبات أدنى حدود المصداقية في حربها على العراق، تحاول أن تغيّر دفة الرأي العام العالمي حول أسباب هذه الحرب البائسة من ذريعة أسلحة الدمار الشامل إلى ذريعة إسقاط نظام حكم ديكتاتوري، وهذا ما لا يملك أي سند قانوني في الشرائع الدولية وإنما تحاول هذه الإدارة اليمينية في الولايات المتحدة خلقه كسابقة تحقق بها سياساتها واستراتيجياتها في العالم.


لا يا سعادة السفير، ما ذكرتموه غير مقنع وغير صحيح، ولا يمكن أن تكون الحروب حلاً لأية مشكلة في العالم ، ومن المعروف تاريخياً إن الحروب تلد الحروب ولا يمكن أن تلد سلاماً.
لا يا سعادة السفير، ما ذكرتموه غير مقنع ولا يمكن أن تكون ممارساتكم المستمرة في انتهاك حقوق الإنسان والظلم والقتل والدمار والنهب والسلب وتركيع الناس خوفاً ورعباً طريقاً للخلاص.
لا يا سعادة السفير، لا يمكن أن يكون الشعب العراقي هو هدفكم السامي والنبيل، وخصوصاً ضمن الظروف اللاإنسانية الحالية التي يعيشها، بينما أموال النفط العراقي تدخل خزينة بلادكم دون أي ذكر لذلك من خلال الإعلام أو أي دور للأمم المتحدة لأنكم تعلمون مدى لا شرعية هذه الممارسات التي تعد سرقة دولية جهاراً نهاراً.
لا يا سعادة السفير، أنتم لا تملكون علاقة صداقة مع أي طرف في العالم، لأنكم تملكون رؤية لا تملكها الأمم الأخرى في تحقيق مصالحكم، وما صداقاتكم في هذه المنطقة، كما ذكرتم، إلا علاقة تسلط وهيمنة من طرفكم على الأنظمة العربية التي هي اليوم واقعة تحت إرهابكم وإرادتكم، ولن تلقى بلادكم أي دعم أو تعاطف من الشعوب العربية، فهذه شعوب تبحث عن الفرص لإعلان رفضها لممارساتكم وسياساتكم في العراق وفي المنطقة العربية بأسرها.
لا يا سعادة السفير، إن التطرف والإرهاب المزعومان أنتم من خلقهما لتبرير ممارساتكم المرفوضة، وإن هذه الإدعاءات أصبحت ذرائع لا مصداقية لها، وألاعيب سياسية مكشوفة لتمرير استراتيجياتكم الإمبراطورية للقرن الواحد والعشرين وبلوغ هدف السيطرة على مواقع النفط والمناطق الإستراتيجية في العالم.
لا يا سعادة السفير، لا يمكن لأي شعب أن يقبل الإحتلال تحت أية ذريعة، كما لم يذكر التاريخ أي إحتلال أخلاقي يفرضه القوي على الضعيف، ولا تملكون حق إحتلال الشعوب والأوطان، ولا يعطيكم أي شعب هذا الحق ، حتى شعوبكم، كما لا يؤهلكم تاريخكم أن تطالبوا المجتمع الدولي بأية إلتزامات أخلاقية لأن ممارساتكم على مدار التاريخ كانت ولا زالت لا أخلاقية على مستوى جميع حركات التحرر في العالم بدءاً بإبادتكم للهنود الحمر ومرورأ بحملاتكم لسرقة مئات الألوف من الأفارقة وفتح سوق النخاسة وتجارة العبيد وتسخيرهم لخدمتكم وبناء حضارتكم بقوة السلاح، وانتهاءاً بدعمكم المنقطع النظير لإبادة الشعب الفلسطيني دون أن ننسى تاريخكم الأسود في استخداماتكم للقنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية بجانب نبوغكم المثير في صناعة مختلف أنواع الأسلحة المدمرة للبشرية.
لا يا سعادة السفير، لا تخلطوا الأوراق، فالشعوب واعية لكل ممارساتكم، وأنتم مسؤولون أمام التاريخ عما يحدث في هذه المنطقة ، ولا تنسوا أن الشعوب لا تتنازل عن حقوقها، وأنتم شعب حارب الإستعمار ويعرف ما معنى تحرير الأوطان وما هي وسائل الشعوب لتحقيق أهدافها.