مقومات الإعلام في البحرين

أنقل هنا بعض المقتطفات من مقال طويل أعددته منذ فترة، ولم أنشره حتى الآن، يتحدث عن وضع الإعلام البحريني في إطار الواقع الإعلامي في منطقتنا بشكل عام، حيث لا يمكن إنكار تراجع الإعلام البحريني بخطى متسارعة، مما يستدعي منا جميعاً وقفة تأمل للتعرف على الأسباب الرئيسية لهذا التراجع الشديد ووضع حلول جذرية لهذه المشكلة، وخصوصاً إن البحرين كانت سباقة في إدخال المنطقة إلى عالم الفضائيات في مرحلة سابقة، وكان من المؤمل دخول الإعلام البحريني إلى مرحلة أكثر تقدماً عوضاً عن هذه الإنتكاسة الإعلامية التي نعيشها جميعاً.

 

********

أثبتت الأحداث العالمية في فترة العقدين الأخيرين من التاريخ بأن الإعلام يمكن أن يكون الأداة المحركة لحيوية المجتمع وطاقته الكامنة عندما يقوم بدور مدروس في تجديد الأفكار وإظهار الأحداث بالسرعة والإبداع المطلوبين ضمن حركة إصلاحية إيجابية، كما إنه يمكن أن يكون أداة قمع واستلاب فكري وتدمير ثقافي وأداة معرقلة للإبداع والتنمية والبناء المجتمعي عندما يكون مستسلماً لتسلط الرأي الواحد أو متدثراً بعباءة ثقافة السلطة.
وإن الإعلام الحقيقي هو الإعلام الحر والهادف وهو الذي يعمل ضمن استراتيجية علمية مستلهمة من واقع العصر وتساهم بجدية في نهضة الأمة وبنائها، وهو الإعلام الذي يمارس الموضوعية بدقة ويبتعد عن الاستمتاع بعملية الإلغاء والإقصاء والتحيز، حيث مع التمحور والاحتكار وقمع الرأي الآخر نخلق مجتمعاً استبدادياً يهوى الإرهاب والعنف.
لذلك علينا جميعاً (المرسل والمتلقي) بذل المساعي الجادة لخلق وعي إعلامي حقيقي على طريق البناء الهادف لعقل وثقافة انسانية متميزة ، يكون لاصحاب القلم والفكر كما لأجهزة الإعلام المختلفة دور رئيسي في أداء هذه الرسالة الفكرية والوطنية باخلاص وتفان وتجرد وإيثار.

*******

يعاني إعلامنا البحريني من سلبيات متعددة من أهمها إنه لا يملك شخصية إعلامية خاصة ومميزة وذلك بسبب ذلك الخليط من الإنتاج الإعلامي غير المبتكر والموالي والمتردد والإرتجالي. كما إن هذا الإعلام يعاني من غياب كامل للسياسة الإعلامية أو للاستراتيجية الإعلامية الوطنية والقومية، وقصور شديد في الممارسات السليمة لحرية التعبير عن الرأي، بالإضافة للعوائق والرقابة الذاتية المقيدة للجزء المتاح من الحريات من قبل الأفراد العاملين في هذا المجال، مما جعل الإعلام غير مؤهلاً للتعامل مع المصادر العلمية والثقافية والمراجع السياسية المختلفة التي تعطي دعماً ومصداقية للحدث والخبر.
وفي الوقت الذي يعد من أهم رسائل الإعلام البحث عن الطاقات الإبداعية وإبرازها فإن الإعلام البحريني لايزال يمارس سياسات فاضحة لإقصاء الإبداع والمبدعين الحقيقيين من أداء دورهم الأصيل في المجتمع، وبالمقابل يتم تركيز الإعلام على ما هو متوفر من الطاقات القديمة والمتكررة حتى لو كانت أعمالها قليلة الأهمية ولا تحقق أية إضافة إلى المجتمع. ومن جانب آخر هناك ممارسات للمفاهيم المجتمعية السلبية (مثل الطائفية، الحظوة ، الشخصنة ... وغيرها) في إدارة هذا الصرح المؤثر والحساس.
ويتسم الإعلام البحريني بالمحلية البحتة بشكل عام مما يجعله غير ذا شأن أو أهمية من أن يكون مصدراً إخبارياً أو ثقافياً أو فكرياً للإعلام الخارجي، بينما تقدمت وسائل الإعلام الخليجية لتصبح مصادر يستشهد بها ثقافياً وإخبارياً وفكرياً على المستوى الإقليمي والعالمي.
لجميع هذه الأسباب أصبح الإعلام البحريني غير قادر على خلق الإعلاميين المتميزين، ويعاني من تدني القدرات الثقافية والتقنية في الأداء والمتابعة، ومن غياب الآليات الإعلامية السليمة للمساهمة في معالجة قضايا المجتمع ، وضعف في القدرة على التطوير والتحديث والإعتماد على التقليد وعدم الابتكار.


كلمات دالة: