أزمـة الثقافـة

تعيش الأمة العربية اليوم حالة الهزيمة ووأد الأمل التي يراد لهما الاستمرار بهدف القضاء على روح المقاومة والتحدي وكسر إرادة الشعب العربي لتتحقق الهزيمة السياسية كما تحققت الهزيمة العسكرية. إن الهزيمة السياسية تعني تكريس حالة الإحتلال والتبعية الاقتصادية والسياسية وتحويلها إلى قناعة وأمر واقع من خلال خلق أنماط ثقافية وصيغ فكرية تؤكد على سيادة وتفوق الآخر، وهذا ما يحدث في منطقتنا العربية بشتى الوسائل والآليات التي تساهم فيها قوى وآليات عربية ومحلية سواء بعلمها أو بدونه.
إحدى أهم الوسائل المتبعة لتكريس الهزيمة السياسية في الأمة هي عملية تأجيج الخلافات وتضخيمها وإثارة النزاعات المذهبية والفئوية، وبتهميش الثقافة الجادة والقيم الفكرية والأخلاقية وإعتبارها من مخلفات الماضي، وبزرع ثقافة السوق والنجاح الفردي، وبتهميش دور المثقف وتراجع دوره المعرفي، والترويج للثقافة الاستهلاكية السهلة والملفقة، ومحاربة الثقافة الجادة، وتعميم أنماط من الثقافة المجوفة والخالية من أي مضمون بالمسابقات والجوائز والتقديرات، وبتثبيت معايير ومقاييس معينة للعمل الثقافي الخالي من القيم، وبالقضاء على الثقافة الوطنية.


وللأسف الشديد تم خلق وتعميم جميع هذه الوسائل في منطقة الخليج منذ وقت مبكر، بهدف تأمين الهيمنة السياسية والإقتصادية على هذه المنطقة الغنية بالنفط. فكان الإنسان الخليجي هو الهدف الذي تم إعادة صياغته على مدى جيل كامل منذ بداية السبعينيات، ضمن خطة طويلة المدى لتفريغه من كل شحنات الثقافة الوطنية وهدم بنيته الثقافية ومعاييره القيمية التي يجب أن يستند لها في مواجهة أي اعتداء أو عدو خارجي. وظهر ذلك واضحاً وجلياً في فترة الحرب العدوانية على العراق والتي أثبتت أن الثقافة في الخليج لم يعد لها ذلك الدور أو المضمون الذي يخلق القدرة والإرادة على اتخاذ الموقف والتصدي والمقاومة.
هذه الظاهرة الثقافية المجوفة والتي تعد أساس أزمة الثقافة في منطقتنا، يمكن رصدها من خلال الصحف ووسائل الإعلام المحلية التي أصبحت صفحاتها الثقافية تمثل صفحات إعلانات مجانية لشخصيات معينة، والإعلان لنمط معين من الفكر والثقافة ...
كما يمكن رصد أزمة الثقافة هذه من خلال مختلف المنابر السياسية التي أعلنت ولا تزال تعلن بدون خجل أو مواراة أن الإحتلال الأجنبي هو الحل الوحيد للتخلص من الأنظمة الدكتاتورية المحلية، وكأننا نحتقر ذواتنا غير القادرة على القيام بفعل أو على أداء دور وطني حقيقي لحفظ كرامتنا وتثبيت مفاهيم الحق والعدالة والمساواة.
وهناك الكثير من هذه الظواهر الثقافية الشاذة والغريبة ... ما عليكم سوى القيام بالرصد والتقصي لإكتشافها.


كلمات دالة: