سباق المنتديات الخاصة- 2

كنت أنوي الاستكفاء بكتابة عمود واحد في نقد ظاهرة سباق تأسيس المجالس/المنتديات الخاصة التي انتشرت في البحرين مؤخراً، والذي كنت أعتقد بإنه قد يكون كافياً في التلميح إلى سلبيات تلك الظاهرة بهدف التصدي دون نموها واستمراريتها، إلا أنني، ونزولاً على طلب من إتصلوا بي بعد نشر الموضوع يوم الجمعة الماضي، أرجع ثانية للكتابة حول نفس الموضوع ليكون، حسب ما قالوا، رادعاً وكاشفاً لهذه الشخصيات التي تهدف بشكل أساسي للحصول على مكتسبات ذاتية من هذه المجالس أكثر مما يمكن أن تحقق هذه المجالس من إضافة ثقافية إلى المجتمع.


كانت إحدى أهم التعليقات بهذا الشأن جاءت في مكالمة عبر الهاتف لإحدى القارئات الصديقات اللاتي اعتز بآرائهن المخلصة طالبة مني أن أكتب المزيد حول الموضوع، ومشيرة إلى انتشار هذه الظاهرة، "التي تتصدرها شخصيات لا تعرف (الألف من كوز الذرة، حسب تعبير الأخوان المصريين)"، كما تقول حرفياً، وأنقل هنا هذه الجملة لوصفها الدقيق تماماً لنوعية الشخصيات التي تقوم بهذا الدور اليوم، والذي تحاول القارئة الإشارة إليهم بكونهم أبعد ما يكونوا عن أبجديات الشأن الثقافي أو حتى السياسي، مما يسيئ للمجتمع البحريني المعروف بإهتماماته الثقافية الجادة.
في مكالمات أخرى، جاءت آراء مختلفة في تفسير أسباب هذه الظاهرة، وتطالب بتعريتها، لذلك يمكنني أن اتناول هنا جانباً آخر من الموضوع، وهو التغيير الكبير الذي طرأ في سلوكيات الإنسان البحريني خلال فترة لا تزيد على ثلاثة عقود، هذا الإنسان البسيط والوطني والحر الذي أصبح يطلب الريع السهل والشهرة والمكانة بدون أي إجتهاد أو الدخول في منافسة شريفة بالكفاءة والمؤهلات، فتحول المجتمع إلى التركيز على الشكليات المجوفة والإهتمامات السطحية والمظاهر الإستهلاكية، وتحول إلى الإهتمامات العشائرية بالتفاخر بالنسب والقبيلة والعشيرية التي يمكن أن تكون أحد المفاتيح للوصول إلى مصالح معينة دون بذل أي جهد أو الالتزام بأية معايير علمية سليمة. هذه السلوكيات التي يستقيها الأفراد في المجتمع من مجمل الحركة الإجتماعية والتوجهات المعلنة من السلطة هي أحد أكبر أسباب إحباط التنمية التي يقول عنها تقرير التنمية الإنسانية "أخلاقية السلوك الريعي، بمعنى أن العائد المجتمعي لا يتطلب بالضرورة عملاً أو إجتهاداً، وأن ما على الفرد إلا توظيف ما لديه من أصول، بما في ذلك ، أو خاصةَ، الحظوة، التي يمكن أن تغل ريعاً يصل به إلى ما يبتغي".