ظاهرة تثير القلق والتوجس

يدور الحديث بين أوساط أخواننا العرب في البحرين، عن ظاهرة جديدة في سلوكيات البحرينيين لم تكن موجودة سابقاً وهي ظاهرة رفضهم للوجود العربي على أرض البحرين سواء أولئك الحاصلين منهم على الجنسية البحرينية وتحولوا إلى مواطنين كاملي الحقوق والواجبات أم أولئك الذين لم يطالبوا بالجنسية ولم يحصلوا عليها، علماً بأنهم جميعاً يملكون كامل الحق في المطالبة والحصول على هذه الجنسية حسب جميع الدساتير والشرائع الدولية، نظراً لظروف إقامتهم الدائمة في البحرين، التي تمتد إلى عقود طويلة، نتيجة لظروف عملهم. كما هم يتذكرون، ونتذكر معهم، إن أهم ما كان يميز البحرين وأهلها هي تلك السمة الجميلة من السماحة وقبول الآخر والإنفتاح والإندماج الإجتماعي بين جميع فئاتها، العربية وغير العربية التي كانت تنزح إلى البحرين لأغراض مختلفة، فما الذي حصل اليوم لكي يتحول هذا الشعب إلى هذا الموقف الرافض للوجود العربي في البحرين، رغم إن لهؤلاء الكثير من الأفضال على البحرين وأهلها.


وفي هذا المقام يجب أن نذكر إن المجتمعات الخليجية عموماً، تعلم جيداً، إنها تدين بالكثير لهؤلاء الأخوة العرب الذين قدّموا الكثير لهذه المجتمعات على مدار القرن الماضي من خلال أدوارهم الكبيرة في بناء الصروح والبنى التعليمية التي تخرجت منها أبناء هذه المنطقة وروادها، يوم كان التعليم في بداياته ولم يكن بين أبناء الخليج من هم مؤهلين لأداء هذا الدور، إضافة إلى ما قدموه من خدمات إدارية ومهنية مختلفة في القطاعات الأخرى مثل الصحة والتجارة وغيرها، أي كان لهم الدور الأول والأكبر في عملية التنمية البشرية في هذه المجتمعات، كما هم اليوم، وبعد كل تلك السنوات، لا يزالون يعيشون معنا كأبناء مخلصين ومنتمين وموالين لهذه الأرض وهذه الأمة، ومسخرين كامل إمكانياتهم العلمية والعملية والإقتصادية لصالح هذه المجتمعات، ولن نكون مبالغين إذا قلنا إنهم، في مواقع مهنية وعلمية كثيرة، يقدمون أداءً أكثر جدوى وأكثر إخلاصاً من أداء أبناء المنطقة أنفسهم.
نحن نقول هذا رغم علمنا إن هذا التحول السلبي في سلوكيات المجتمع البحريني لا يملك ما يبرره، وإنه ليس هناك أية ذرائع يمكن أن تعطى كمبرر لممارسة التطرف والرفض في السلوك العام، ولا يمكننا أن نقبل بذريعة خطايا سياسة التجنيس في البحرين ولا تلك المبررات الواهية وغير الواقعية التي يتم تداولها لأغراض سياسية آنية حول تأثير سياسة التجنيس تلك على الإقتصاد البحريني وموارده المحدودة، ولا يمكننا قبول هذه الذرائع كمبررات لأي توجه سلبي يتجه إليه المجتمع ما لم تكن هناك تيارات متطرفة تعمل على الدفع بهذا الإتجاه تحقيقاً لمصالحها السياسية، ليس إلا.
على مدار ثلاثة عقود، وضمن ممارسات رديفة للسياسات الأمريكية، عملت تنظيمات الإسلام السياسي، بجميع طوائفها المذهبية، على نبذ وتشويه الفكر القومي بإتجاه تشتيت وإضعاف الإرادة العربية ورفع وتيرة الصراع داخل المجتمعات العربية، وبعد أن كانت هذه الصراعات تدور على الحدود العربية، أي بين الأنظمة والحكومات، إذ بها تتحول إلى نزاعات مفتعلة داخل المجتمعات العربية وبين شعوبها. كما كان لهذه التنظيمات، وبمشاركة بعض التيارات السياسية (الديمقراطية!!) التي تعاني من تذبذب مرتكزاتها وإنعدام ثوابتها، كان لهذه الفصائل الفضل في زيادة حدة ووتيرة الطائفية والنزعات المذهبية والتأثيرات السلبية للإنقسامات الفكرية والأيديولوجية في المجتمعات العربية وتحويل الإلتزامات القومية إلى إلتزامات طائفية وعشائرية وتكتيكية دون أي ثوابت وطنية، فكان لهذه الفصائل الدور الكبير في تدني الوعي والثقافة السياسية وإضعاف المجتمعات العربية وتفتيت وحدتها وقدراتها في التصدي لما يقوم به المستعمر الجديد تنفيذاً لمخططاته المهيمنة على الشعوب.
وهكذا بدأ المجتمع البحريني المتسامح يتحول إلى رفض الآخر والمزيد من التطرف الطائفي ونبذ الإنتماء القومي حصادأً للأداء السياسي الذي لا زال القائمون عليه غير قادرين على تحرير أفقهم والخروج من محيط دائرتهم الصغيرة لآفاق أكثر إتساعاً وموضوعية، فما هي توجهات قوانا السياسية للتصدي لهذه الظاهرة التي لا يمكن لأحد أن ينكر وجودها اليوم بشـكل يثير القلق والتوجس؟ وما دور هذه القوى السياسية في تثقيف قواعدها حول خطورة هذا السلوك وأهمية التلاحم العربي والإلتزام القومي بقضايا الأمة؟