الشأن العراقي شأن جميع العرب

لفترة ثلاثة عشر عاماً كان الشعب العراقي يعاني من الحصار الاقتصادي غير المسبوق تاريخياً بدعوة مستمرة وملحة ممن هم اليوم رموز في مجلس الحكم الحالي في العراق، فلم يحاول هؤلاء للحظة واحدة بمقايضة معاناة هذا الشعب مقابل التنازل عن جزء من مصالحهم الشخصية، فهم الأعمدة الأساسية التي وقف عليها ذلك الحصار الجائر على العراق لمدة تزيد على ثلاثة عشر عاماً، إذ نادوا بإستمراره لأن القيادة العراقية ديكتاتورية، وكانت العدالة من وجهة نظرهم بأن يموت نصف الشعب العراقي في سبيل القضاء على نظام الحكم في العراق، بينما كانوا هم ينعمون بتمويل مستمر من الإدارة الأمريكية تسمح لهم برغد العيش في مختلف العواصم الأوروبية . وهم أيضاً من رسم ووضع جميع الترتيبات اللازمة لقيام هذه الحرب البشعة لإحتلال أغنى بقعة أرض في الوطن العربي، في مقابل إشباع جزء من أحلامهم المادية على خراب ودمار العراق. ورغم ذلك فهم لا يعتبرون ما يحدث اليوم في العراق ، والذي يفوق الإحتلال سلباً ونهباً ويفوق الديكتاتورية ظلما ًوقسوةً وإذلالاً، لا يعتبرونه إحتلالاً بل تحريراً وعدلاً ورسماً للديمقراطية يجب مساندته وعدم مقاومته.


وهنا يجب أن نؤكد بإنه مهما كان دور القيادة العراقية السابقة، فلم يكن الحل هو التدخل الأجنبي ولا الإحتلال، ولا أعتقد بأن من يناصر هذا الإحتلال يغفل إن المحتلين أصبحوا اليوم أقرب ما يكون من حدود أخرى ، حيث بدأ الخوف يدب في الدول المجاورة التي تراقب كم هو مؤلم ومهين هذا الإحتلال، وإن هذه الدول اليوم قريبة جداً من وضع اليد الأمريكي عليها في أية لحظة، فإن لم يكن بالإحتواء والتنازلات والإملاءات فبالقوة العسكرية الباطشة، وإن لم يكن اليوم فغداً ... يا ترى ماذا سوف نقول غداً عن إحتلال الدول المجاورة أو تطويعها أو المطالبة بتغيير أنظمتها، وماذا عن سوريا ولبنان، وماذا عندما يتم حل حزب الله عندما يحين الوقت حسب خريطة الطريق. فهل يا ترى كل هذه القيادات أيضاً ديكتاتورية ولديها سجل حافل بالمقابر الجماعية ؟؟؟؟
وفوق ذلك خرج لنا هؤلاء، الذين هم اليوم في مجلس الحكم العراقي، ببدعة تحاول الإدارة الأمريكية بثها وتعميقها في عقول العرب، وذلك بدعوة العرب لترك شأن العراق ليدير شئونه بنفسه، وإن على العرب الاعتذار للعراقيين الذين تركوهم في معاناتهم مع نظامهم طوال السنوات الماضية، فأصبحت (موضة) بدعها أولئك العراقيون المتحالفون مع الإدارة الأمريكية وتتداول اليوم على ألسن من لا يملك حجة أو عمق في التاريخ، بتجزئة الشأن العربي ليواجه كل بلد شأنه بنفسه، وينسون بأن هذه النظرية يمكن أن تشمل الشأن الفلسطيني، بالدعوة لترك شأن فلسطين لأبنائها ... وبذلك نسَهّل الأمر على الطامع الأجنبي لتنفيذ مصالحه في المنطقة بأسرها، حيث يجري تنفيذ مخطط الهيمنة الإمبراطورية الأمريكية.
وهنا يجب التأكيد بأن الشأن العراقي لا يمكن أن يخص العراقيين وحدهم، بل العراق ممتد للعمق العربي بكل أبعاده، كما لن يكون الشأن السعودي أو السوري أو الجزائري شأناً سعودياً أو سورياً أو جزائرياً عندما تقابل جحافل الإحتلال الأجنبي أو التقسيم الإثني حسب المخطط الإمبراطوري الأمريكي في المنطقة، بل كل عربي معني بشأن كل بلد عربي في مواجهة الخطر الأجنبي.
وأما ما يخص الإعتذار للشعب العراقي فالأجدر بأن يقدمه لهم رموز الأحزاب السياسية والإثنية والطائفية والإسلامية التي دخلت العراق بعد الإحتلال على الدبابات الأمريكية وتحت حماية المدرعات والحوامات الأمريكية، فهم من يجب أن يقدم هذا الإعتذار، وأن يتركوا هذا الشعب لمواجهة مصيره مع من تبقى من الأشراف والمناضلين من أبناء العرب، لأننا إذا بحثنا في جذور وأنساب رموز هذه الأحزاب وأعضاء مجلس الحكم الحالي في العراق فلن نجد أكثر من أثنين أو ثلاثة منهم بأصول عربية.
إن ما يؤسف له أن تاريخ الحروب يكتبه المنتصرون، ولذلك يكون مزيفاً في سواده الأعظم، وعلى من يريد أن يتحلى بالموضوعية في معرفة الشأن العراقي لطوال السنوات الماضية فعليه أن يسمع جميع الأطراف، حتى تلك الأطراف التي ظلت تحت التعتيم الإعلامي الفج سنوات طويلة ماضية وتلك المغيّبة والملتزمة الصمت رعباً من خطورة الكلام اليوم. وللاسف الشديد أن غالبية من يتحدث عن الشأن العراقي ويحمل راية ترك العراقيين وشأنهم والإعتذار لهم لا يعرفون عن التركيبة العراقية المعقدة، إلا في حدود ما يتداول عن طائفة من الطوائف هناك حسب المصادر الأمريكية أو المصادر التي لها مصالح أخرى في العراق على مدار التاريخ.


كلمات دالة: