إستراتيجية جديدة للعمل الوطني

خلال الفترة القريبة الماضية تم طرح وجهات نظر متنوعة حول خطاب جلالة الملك بمناسبة إفتتاح الدورة الثانية للمجلس الوطني بالإضافة إلى خطاب جلالته إلى سمو رئيس الوزراء وخطاب الرد المرسل من سموه واللذين أتيا بنفس المناسبة، وكما هو الحال دائماً، كان التفاوت في وجهات النظر هذه تشكل مثالاً حياً لنظرية رؤية نصف الكأس الملآن والنصف الخالي. لذلك نرى أهمية وضرورة إيجاد المزيد من الفرص لخلق رؤية واقعية حول هذه الخطابات المتبادلة التي ترسم سياسة مستقبلية تعد على جانب من الأهمية للمجتمع البحريني، كما تمثل واقعاً حياً نعيشه جميعاً ولنا الدور الأساسي في المشاركة في تحقيق أركانه سواء سلباً أم إيجاباً، على أن تكون رؤية تجسد النوايا الحسنة والموضوعية والإيجابية بهدف البحث عن نقاط التقاء وليس العكس.


ومن منطلق إننا نعيش في ظروف محلية وأقليمية ودولية تتطلب سد الفجوات بين الشعوب العربية وقياداتها، كما تتطلب التمسك بالوحدة الوطنية، ومن منطلق البحث عن مواقع إرتكاز أساسية في الأداء السياسي الوطني، وبعيداً عن ثقافة التصعيد والتجييش الجماهيري ضد الداخل، ومن موقع الإحساس بضرورة خلق قنوات لتواصل الحوار الجاد والبنّاء القائم على الرؤى الناضجة والإيجابية والتوافقية والنوايا الصادقة في الوصول لأكثر النتائج قبولاً وتراضياً بين جميع الأطراف، لكل هذه الأمور نرى في الخطاب الملكي والرسائل المتبادلة دعوة جديدة لبداية عمل جديد ضمن إستراتيجية وطنية جديدة تلبي طموحات المرحلة القادمة، مما يتطلب من المجتمع البحريني بالمقابل البدء في تجديد خطته الإستراتيجية لبناء جسور جديدة للتواصل والحوار على أسس من الثقة المتبادلة، علماً بإن مؤسسات المجتمع المدني لا زالت تعمل ضمن إستراتيجياتها القديمة التي لم تواكب حتى إنفتاح المجتمع وتطوره الفكري والإجتماعي.
إن القطاع الأكبر من المجتمع البحريني ما انفك يبحث عن سبل التوافق والعمل المشترك في تحقيق المصلحة العامة لهذا الوطن وأبنائه، كما إنه لا يزال في حالة ترقب ومراقبة للأداء السياسي والوطني على مستوى الحكم والشعب، ويرى أن هناك الكثير من القضايا التي لا زالت معلقة وبحاجة للبحث والحوار والعمل الجاد لإكمالها وتخطيها إلى مراحل متقدمة. ومما لا شك فيه إن هذا القطاع الكبير من المجتمع والراصد للأوضاع، بتجرد تام، يملك رؤية واقعية لما يدور في المجتمع بشكل عام، وهو قادر على لعب دوره الحقيقي وتغيير المعادلات التي يراها البعض إنها ثابتة اليوم ، كما يعرف متى يأتي دوره في هذا الأداء السياسي العام، ذلك الدور الذي يتركز عند المفاصل المرحلية المتحكمة في صعود وأفول مختلف القوى العاملة بإسم المجتمع والشعب والوطن.
وفي الجانب الآخر، هناك مؤسسات الدولة التي لا زالت غالبيتها غير قادرة على مواكبة الحدث والتغيير في هذا المجتمع ولا زالت بعيدة عن المراقبة والمحاسبة مما يجعلها في وضعها الراكد دون أدنى خوف من المساءلة والعقاب، وتلك المؤسسات المدنية التي لا زالت تعيش ضمن عقلية الشك والتوتر والتصعيد وتغليب السلوك (البطولي) على السلوك العقلاني، وكأنها تكرر نفسها ضمن تلك الأطر القديمة من التفكك والخلافات التي رغم محاولاتها الجديدة والحثيثة لوضع بعض السواتر عليها لحجبها عن الأنظار إلا إنها لا تزال تبث تلك الروائح غير المرغوبة التي لا يمكن منعها من التسرب.
أمام هذه الصورة الواقعية للمجتمع بشتى أطرافه، جاءت تلك الخطابات المتبادلة لتعبر عن رغبة واقعية لقيام كل طرف بواجباته الحقيقية في العمل والتطوير والتغيير وفي المراقبة والمحاسبة، وتخطي تلك الحواجز والعقبات التي يمكن أن يتسلقها المستفيدون الحقيقيون من تباعد وجهات النظر بين القيادة والشعب لضرب المصالح الوطنية وخلق واقع سلبي لن يكون في صالح هذا الوطن ولا هذه الأمة بأي شكل من الأشكال.


كلمات دالة: