الخاسرون من السير في ركب السياسة الأمريكية

لا يخفى على جميع المخضرمين في العمل السياسي مدى التغيّر في ثوابت هذا العمل إلى درجة إنقلاب بعض تلك الثوابت للوضع المعاكس تماماً، أي إلى درجة أن يتحول ما كان محرماً وما كان يعد من الجرائم الوطنية الكبرى في السابق ليصبح من الثوابت الوطنية في الوقت الحاضر. ولكن رغم ذلك لا يمكن لهؤلاء أن يعتبروا الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة الإمبريالية الكبرى التي إزدادت إمبريالية وطغياناً بعد إنتهاء الحرب الباردة وإنتهاء أسس التوازن الدولي، إن يعتبروا هذه الدولة قادرة أن تكون اليوم مصدر الديمقراطية والعدالة الإجتماعية المنصفة لمصالح الشـعوب في مناطقنا إجمالاً، ومناطقنا تعني دول الجنوب التي تعد دولنا من عدادها رغم كل ما تملك من ثروات تُمَكّنها من أن تتحول إلى جنة من الرفاهية الإقتصادية. وما يجب أن نعلمه ونؤمن به جميعاً إن مصالح هذا النظام الإمبريالي العالمي الجديد لا يمكن أن تتحقق مع تحقيق العدالة والمصالح الوطنية لدولنا ، لأن هذه المصالح متضاربة مع مصالحهم لدينا، إضافة إلى أن هذا النظام الدولي لا يتعامل بمفاهيم الدول الصديقة أو الحليفة، وما هذه المصطلحات في قواميسهم إلا تعابير شفوية مفرغة من معانيها الحقيقية وتستعمل عند الحاجة لكسب ود بعض القيادات والأنظمة التي يعد لها دور مرحلي وشكلي في المخططات

الإستراتيجية والمرحلية المحققة للأهداف الإمبريالية، وكما يمكن أن تختلف هذه الإستراتيجيات في كل مرحلة سياسية كذلك يمكن أن تتغير الدول الحليفة إلى دول معادية وكيفما يتطلب الظرف الدولي في حساباتهم الدقيقة.
وهكذا تتعامل السياسة الأمريكية الحالية مع دول المنطقة، فهي بدأت بتغيير قائمة الحلفاء وإعطاء اللقب للبعض الآخر، وبدأت بتنفيذ مرحلة جديدة من استراتيجيتها الإستعمارية في شق الصف العربي والخليجي بخفية وبذلك النوع من الممارسات التي كانت تمارسها على مدار تاريخها في مناطق نفوذها، أي بممارسات الترهيب والضغط والترغيب والمكافأة، تلك السياسة التي تمارس بالتناوب مع الأنظمة ضد بعضها، كما تمارس بين الشعوب ضد الأنظمة في نفس الوقت. ورغم إن هذه الممارسات قديمة جداً ومكشوفة إلا أن القيادات السياسية العربية لا زالت غير قادرة على قراءتها قراءة سليمة، أو إنها تفضل مجاراة هذه السياسات على أمل الحصول على بعض المكاسب، بينما الحقائق التاريخية تقول إننا جميعاً سوف نكون من الخاسرين سواء الأنظمة أو الشعوب العربية بأكملها، والمكاسب الحقيقية سوف تكون من نصيب راسمي تلك السياسات.
هذا التذكير بالممارسات السياسية الأمريكية أصبح ملحاً اليوم وخصوصاً بعد أن بدأ الكشف عن بعض الأسرار حول اتفاقات جانبية وسرية بين اليمين الحاكم في البيت الأبيض مع بعض القيادات في المنطقة حول توزيع التركة الإستعمارية الجديدة فيما بينها، أي إقتطاع أجزاء من دول وإضافتها تحت إدارة دول أخرى، ضمن ما يدعى بإعادة تشكيل المنطقة سياسياً ، دون الأخذ في الإعتبار ما يمكن أن يسبب ذلك من كوارث سياسية جديدة. وما يهدف إليه هذا التشكيل الجديد هو ضم مناطق النفط في الخليج تحت إدارة واحدة يسهل التصرف والتحكم فيها لتحقيق السيطرة على استخراج وتوزيع هذا المورد الإقتصادي الهام حسب المصالح الإمبراطورية الأمريكية في القرن الأمريكي الجديد.
ولكن هل يا ترى سوف يتحقق لها ذلك، ونحن نرى ما يجري في العراق اليوم؟