إحذروا، فرق تسد

لكي نعرف كيف نواجه الأعداء والأطماع الخارجية التي تستهدفنا، علينا أن نعرف وسائلهم وأدواتهم وطريقة أدائهم، وإلا فسوف نظل نطحن الهواء وتذهب كل جهودنا هباء، وينتصر علينا العدو ويحقق أهدافه بدون عوائق، لا بل يمكن أن نكون نحن أدواته ووسائله في تحقيق أهدافه دون أن نعلم، نتيجة لعدم الوعي وقلة المعرفة.
إن أهم الأدوات المستعملة حديثاً في تنفيذ مخططات السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، ضمن مشروع القرن الأمريكي الجديد، هي تلك الأداة القديمة والسهلة جداً في التنفيذ، إضافة إلى أنها مضمونة النتائج والنجاح خصوصاً في مجتمعاتنا العربية التي تعاني من ذلك الخلل السياسي الذي تم بناؤه بشكل تراكمي خلال عقود من الممارسات الإستعمارية، كما تعاني من التخلف المعرفي والتدني الشديد في الوعي ومن الإنقسامات الفكرية والمنازعات الأيديولوجية والسلوكيات غير الموضوعية بين نخبها ومثقفيها عوضاً عن الإلتقاء على ثوابت تحمي المصالح الجماعية والتاريخية لهذه الشعوب، تلك المصالح التي يجب أن تأتي قبل أي إعتبار. هذه الأداة التي لم تتراجع الإدارة الأمريكية أن تعلن عنها في بعض البرامج التلفزيونية بعد إحتلالها للعراق مباشرة، وبعد أن واجهت هناك مقاومة شعبية ترفض الإحتلال مهما كانت نواياه، هذه الأداة هي المبدأ المعروف لنا جميعاً والذي يتلخص في كلمتين وهما "فرق تسد"، التي تطبق اليوم أبشع تطبيق في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.


رغم قدم هذ المبدأ الذي تعرفنا عليه منذ عقود طويلة عندما إبتدعه وطبقه الاستعمار الإنجليزي في مستعمراته القديمة، إلا أنه أصبح اليوم أكثر تحديثاً بعد أن طورته الإدارة الأمريكية لتواكب مصالحها الحالية في ترسيخ دعائم الإمبراطورية الأمريكية في العالم الجديد. لقد تم تطوير المبدأ الذي أستعمل قديماً في رسم الحدود وتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات وأقطار لتكون حافزاً لإلهاء العرب بمنازعاتهم على حدودهم وثرواتهم القطرية، تم تطويره اليوم لكي يكون صالحاً لخلق حالات جديدة من المنازعات والخلافات هي أكثر عمقاً واشد فتكاً بكل مجتمع عربي على حده، ولإلهاء المجتمع الواحد في مصائبه وخلافاته ونزاعاته الداخلية والخاصة جداً، ريثما تتفرغ القوى الخارجية من تنفيذ مخططاتها بمعزل عن المواقف الشعبية والجماهيرية الرافضة لها . لذلك جاءت النظريات الأمريكية الجديدة بمبدأ "فرق تسد"، القديم الحديث، لكي يطبق على أوسع نطاق ليشمل التالي ، على سبيل المثال وليس الحصر:
أولاً : خلق منظمات الإسلام السياسي بمختلف التوجهات الأصولية والسلفية والطائفية في جميع المجتمعات العربية دون إستثناء.
ثانياً : خلق النزاعات الطائفية المذهبية في داخل كل مجتمع عربي مهما صغر أو كبر حجمه.
ثالثاً : تأجيج الخلافات والمطالبات الإثنية في المجتمعات العربية االمعروفة بتعدد وتنوع الأثنيات فيها والتي عاشت على مدار التاريخ في حالة من التوافق والتسامح.
رابعاً : إختراق مؤسسات المجتمع المدني وخلق حالة من الخلافات والصراعات والإنشقاقات فيما بينها لتسهيل السيطرة عليها.
خامساً : إختراق الشعوب واستغلال مطالبها، المشروعة ، كأدواة للضغط على الحكومات، والضغط على الحكومات لعدم تنفيذ هذه المطالب، والإيحاء لكلا الطرفين بتوفير الدعم والمساعدة له، لتسهيل عملية الإبتزاز.
سادساً : الهيمنة والضغط على الحكومات، بشتى الوسائل، لإبقائها في حالة مستمرة من الخلاف مع شعوبها، وخلق فجوة دائمة وعميقة بين الشعوب والحكومات بتسليط كل طرف منهم على الآخر لإضعاف الجبهة الداخلية لهذه المجتمعات بعدم التقاء القيادات والشعوب ضد العدو الخارجي.
سابعاً : خلق الخلافات والأقطاب المتنازعة داخل الأنظمة الحاكمة أو حتى داخل الأسر الحاكمة، لإبقاء كل طرف سيفاً مسلطاً على الطرف الآخر لتسهيل جني الثمار.
هناك الكثير الكثير من هذه الممارسات والسياسات في منطقتنا العربية، مما يتطلب إستدراكاً سريعاً من هذه المجتمعات قبل أن يفوت الأوان ونجد أنفسنا قد إنقسمنا إلى دويلات جديدة تحت مسميات طائفية وأثنية مختلفة ، ونصبح غرباء في أوطاننا.