الطائفية أهم أدوات إعادة رسم المنطقة

أهم متطلبات الإستراتيجيات الإستعمارية في منطقتنا العربية هو العمل المستمر على خلق أدوات مختلفة لتنفيذ مراحلها المختلفة، وتتنوع هذه الأدوات ما بين أدوات إجتماعية وإقتصادية وسياسية وعسكرية وبشرية، وما يهمنا في هذه المساحة الكتابية البسيطة هو التعرض لتلك الأدوات البشرية التي تخلقها السياسات الإستعمارية وتعاني منها مجتمعاتنا لكونها أدوات هلامية وخطيرة تتغلغل بين الناس لتهيئة الظروف المناسبة والبيئة المطلوبة لتنفيذ تلك الإستراتيجيات، والتي نرى إن من مسئولية المجتمع التصدي لها والكشف العلني عنها أفراداً ومؤسسات، سواء كانت تلك الأدوات عليمة أو غير عليمة بأدوارها الخطيرة.
من أخطر الأدوات الإستعمارية وأكثرها فاعلية، في مجتمعاتنا العربية البسيطة التعليم والمتدنية في وعيها السياسي، هي تلك الأدوات التي يتم تشكيلها من عناصر بشرية تعيش داخل هذه المجتمعات أو منتمية لها كي تكون قادرة على أداء الدور المرسوم لها ومقبولة من أبنائها دون أن تترك مستمسكاً على إنتمائها للإرادة السياسية الأجنبية ، ذلك المستمسك الذي يمكن أن يكون سبباً في ردات فعل شعبية رافضة لممارسات هذه العناصر البشرية أو لتلك السياسات والاستراتيجيات الإستعمارية.

وقد يصل الأمر في مراحله المتقدمة، ومن خلال هذه الأدوات البشرية، إلى خلق بيئة وأوضاع سياسية تدفع بالإرادة الوطنية (المريضة) في هذه المجتمعات إلى التحالف المستتر مع هذه القوى الأجنبية بمختلف منابتها وتوجهاتها والطامعة في توسيع نفوذها على حساب مصالح أبناء هذا الوطن، أو إلى طلب المساعدة الأجنبية لتكون الحَكَم الفيصل بين أبناء البلد الواحد، وقد تأتي هذه المساعدة الأجنبية المطلوبة من خلال تلك المنظمات المسَلًطَة على دول العالم الثالث مثل منظمات حقوق الإنسان والعفو الدولية، أو منظمات إقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتجارة الدولية، أو عسكرية مثل ما حدث للعراق في تلك الحروب التي أدت إلى الإحتلال الكامل لأراضية وموارده وتدمير جميع مؤسساته وتحويله إلى دولة دون سيادة.
وبقراءة بسيطة لواقع مجتمعنا الخليجي عموماً والبحريني خصوصاً نرى إن من أهم وأخطر الأدوات التي تم خلقها في مجتمعاتنا لتنفيذ السياسات الإستعمارية الجديدة أو ما يدعى بإعادة تشكيل المنطقة هي تلك الأدوات البشرية الطائفية المستمرة في تشكيل مؤسساتها الطائفية وبث إطروحاتها الطائفية ونشر الغوغاء السياسي والمعارك الجانبية بين أبناء الوطن الواحد. والظاهرة الجديرة بالملاحظة في هذا المجال هي أن هذا العمل السياسي الطائفي الطرح والمنبع ، والشعوبي الهوية والإنتماء، والقائم بين جميع الطوائف المذهبية الموالية لمنظمات الإسلام السياسي، لهو قائم على أيدي قيادات بحرينية شابة ومن جيل واحد وفي أعمار متقاربة ، تم إعدادها في غفلة من الزمن، لتعمل في بيئات سياسية مختلفة تشمل كل مرافق الحياة ومختلف أنواع الطروحات لتغطي جميع قطاعات المجتمع. إن هذه الظاهرة الواضحة للعيان لا تدع مجالاً للشك بإن ثمة مشروع طائفي كبير ومبرمج يتم تنفيذه والمطلوب إستمراره لأطول فترة ممكنة لتمكين هؤلاء القيادات من الوصول والتأثير المباشر والمكثف على العقول الشابة التي تمثل الأكثرية في مجتمعاتنا ولها الأثر الكبير في رسم مستقبل المنطقة. لذلك نؤكد إن هذه الظاهرة الشابة والمبرمجة التي تحولت إلى أدوات بشرية لتنفيذ الإستراتيجيات الإستعمارية لهي ظاهرة خطيرة يتطلب منا عدم الإستهانة بها أو تبسيطها بل من المطلوب دراستها بهدف الكشف عن أصولها وأهدافها.
لذلك نتوجه إلى كل من يعتقد في نفسه إن قوة إيمانه بدينه أو مذهبه هو الدافع لمواقفه الطائفية، لنقول له إنه قد تحول، بوعي منه أو بدون وعي، إلى أداة من أدوات السياسات الإستعمارية لضرب مصالح هذا الوطن ولتفتيت العرب والمسلمين وبث الفرقة بينهم وتعميق الخلافات بين الشعوب وليس الحكومات فقط، والهدف الأسمى وراء كل ذلك هو ضرب الأمة وإنهاء وجودها.
كما يجب أن يعي المجتمع تلك النظرية التي تعلمناها مبكراً، وهي إن الطائفي لا يمكن أن يكون إلا متطرفاً ومتشنجاً وغوغائياً في عمله وطرحه وفكره، لذلك لا يمكن أن يكون الطائفي وطنياً ملتزماً بمصالح وطنه، ولا يستحق أن يعطى أي دور سياسي.