رؤية فكرية ... لمفكر

من مطالعات البريد الإلكتروني المفيدة لهذا الأسبوع، هو ذلك التعريف المختصر لمحتويات كتاب المفكر المغربي الدكتور المهدي المنجرة، والذي جاء في حوار نشرته صحيفة الخليج الإماراتية. وأهمية ذلك الكتاب يأتي لكونه أولا نتاج علمي للدكتور المنجرة وهو عالم متخصص في المستقبليات، وثانياً لأن الكثير مما ذكر في هذا الكتاب قد تحقق حتى الآن.
يقول الدكتور المنجرة إننا كعرب ومسلمون "نعاني من هوة ساحقة بين توقعاتنا والوقائع التي تحصل" وإن هذه الهوة تعني التخلف قبل كل شيئ، فإذا كنا نستغرب من حدوث الوقائع فإن ذلك يعني إننا لا نملك رؤية مستقبلية طويلة المدى ولا حتى متوسطة المدى ولذلك فإننا دائماً نعيش برؤية الآخر واستراتيجيته، وما نعمله هو عبارة عن ردات فعل لتلك الاستراتيجيات، لأننا متخلفون.
نرد أدناه، نصاً، أهم جزء من ذلك الحوار الذي دار حول محتويات الكتاب المذكور، فيما يخص رؤية الكاتب لأسباب الحرب على العراق، التي حددها الدكتور المنجرة في خمسة أسباب:


"السبب الأول هو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تحاول إعادة ترتيب النظام العالمي الجديد، باعتبارها القطب الوحيد بعد تحلل القطب السوفياتي كقوة للتوازن، لم تستسغ أن تكون في منطقة الخليج العربي، بإمكانياته البترولية وحيويته الاستراتيجية، قوة مثل العراق، وهذا هو السبب الأول للهيمنة.
ثانيا، لأن العراق استطاع تحقيق استقلاله العلمي والتكنولوجي عن الغرب، من خلال اعتماده على الذات، إذ لديه خبراء استطاعوا أن يطوّروا قدراته في التسلّح، فأصبح بذلك يهدد المصالح الغربية، وأصبحت أسواقه تهدّد ببيع التكنولوجيا الجاهزة، لذلك، نرى أعداءه يبحثون عن علمائه.
السبب الثالث، هو أن الآلة العسكرية العراقية حققت خبرة وقوة أصبح من شأنها تهديد الكيان الصهيوني المزروع في المنطقة. فالخوف من توصل العراق إلى امتلاك سلاح الدمار الشامل يهدد إسرائيل، وهو ما لا تقبله الولايات المتحدة.
السبب الرابع، هو أن الغرب أدرك قوة العراق الحضارية، كمهد للثقافات وكأرض للذاكرة العربية والإسلامية، وهو ما يهدد أطماع الغرب في سيادة ثقافته وقيمه.
خامس هذه الأسباب، هو أن الغرب، كما يرسم في السيناريوهات، مضطر لتجديد ربط خيوط التبعية إليه، بعد تآكل الاستعمار القديم، لهذا، سميت هذه المرحلة مرحلة ما بعد الاستعمار.
لقد قلت في كتابي "الحرب الحضارية الأولى" إن العراق يستعمل أرضا لتجربة الأسلحة، ففي الحرب الأولى عليه، تبيّن أن الأمم المتحدة ضيعت كل مصداقيتها. لقد اشتغلت في الأمم المتّحدة مدّة عشرين سنة، لذلك لم أنتظر عام 2003 لأعرف هذه الحقيقة. لقد استغلّت أمريكا الأمم المتحدة، ومازالت تستغل، كآلة تابعة للبيت الأبيض والبنتاغون.
المشكلة هي أنّ السياسيين وقادة الحكم عندنا ليس باستطاعتهم رؤية ما هو أبعد من أنوفهم، وما يهمهم هو بقاؤهم في الحكم. والآن، ماذا سيحصل في العراق؟ هذا ما كتبته في كتابي "انتفاضات". سنرى الأنظمة العربية تسقط مثل قطع الدومينو الواحدة تلو الأخرى، إما بدفع من أمريكا، والتي ستبدأ بأصدقائها منهم، أي بالأنظمة الأقرب إليها" ، إنتهى الاقتباس ...
لا تعليق ...