"الانحياز للطوائف بدلاً من الإنحياز للوطن"

عنوان هذا المقال ليس من عندي بل هو عنوان لمقال نشره الكاتب العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي، في إحدى الصحف العربية، وأرسله لي أحد الأصدقاء مشكوراً بالبريد الإلكتروني، ولم أجد اليوم ما هو أنسب منه لكي ينشر في عمودي هذا، لما يحمل من تعبير صادق وأمين لمشاعر كاتب عربي يتلوع على وطنه، ولما به من تصوير حقيقي ومؤلم لما نعيشه جميعاً من تفتت وضياع بين الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية والأنانية، ونسيت الأغلبية العظمى منا ما هي الأمة وما هو الوطن.
يقول عبدالرحمن الربيعي في مقاله:
"قبل بدء العدوان واجتياح العراق واحتلاله بتشجيع من بعض ابنائه المتواجدين في امريكا وبريطانيا بشكل خاص اصابني هلع لم أعرفه بعد ان استمعت الى كلمات من حضروا مؤتمرا بلندن لحث امريكا ومعها بريطانيا حتي تقوما بما وعدتاهم به، وتنوبا عنهم في اسقاط النظام واجلاسهم على كراسي الحكم بدون أي تعب أو جهد أو اقناع للشعب الذي سيحكمونه.


كان كل متحدث يذكر اسمه ثم التعريف به (سني ، شيعي ، كردي فيلي أي من اتباع المذهب الشيعي، آشوري... الخ).
هي لغة غريبة وتعاريف اكثر غرابة. فقد يحصل في العراق ان ترتبط بصداقات حقيقية وعميقة مع شخص دون ان يخطر ببالك ان تسأل أيا منهم عن طائفته أو عرقه. فالعراق خليط غريب، وإن سمح لمثل هذه اللغة ان تسود فهناك من سيسأل: وأين الصابئة؟ وهؤلاء ايضا يمثلون عشرات الألوف وفيهم علماء بارزون مثل المرحوم د. عبد الجبار عبد الله أول رئيس لجامعة بغداد في العهد الجمهوري، هذا عدا عدد لا يحصى من الاطباء والمهندسين والفنانين التشكيليين والشعراء الكبار (مواقفهم تخصهم ولسنا هنا في مجال مساءلتها) ومنهم عبد الرزاق عبد الواحد ولميعة عباس عمارة وغيرهما.
حتي انني استمعت في برنامج حواري من احدى الاذاعات العالمية لشخص (وهو عراقي) يتساءل عن سر عدم تمثيل يهود العراق في مجلس الحاكم بأمره بريمر؟ ولا أدري من وضع على لسان هذا السائل معلومة بأن عدد يهود العراق الحاليين أي الموجودين في العراق يساوي عدد المسيحيين بطوائفهم المختلفة، لدرجة ان معد البرنامج صحح معلومة بأن عدد اليهود لا يتجاوز التسعين شخصا، ووفقا لمعلوماتي ان عددهم اقل حتى من هذا الرقم في حين ان المسيحيين ربما يشارف عددهم قرابة المليون وربما أقل (كان أعلى رقم ليهود العراق قبل نكبة 1948 حوالي 120 الفا).
انها متاهة لا أول لها ولا آخر، ولذا لم استغرب شخصيا عندما أعلن عن أسماء اعضاء مجلس بريمر الخمسة والعشرين موزعين على طوائف وأديان وأعراق، فذاك الغرس الذي بدأ بمصيف صلاح الدين العراقي ثم في مؤتمر لندن وتعالي النبرة الطائفية لا بد ان تكون ثماره مرة كالحنظل مثلما رأيناها.
ان المواطن العربي يشعر بالأسي الكبير اذ لم يسمع اسم العرب أو العروبة يتردد في حين ذكر الاكراد مثلا، أما العرب وهم الذين يمثلون حوالي ثمانين بالمئة من السكان (بعيدا عن الطوائف) فلا ذكر لهم، لا بل انهم متهمون، وجاء هذا مقترنا بما يدعو له البعض من عراقيي امريكا للإنسلاخ من العروبة ووفق منطق: (اتركونا لا نريد العرب)".
لا تعليق ...


كلمات دالة: