في لقائي مع سمو رئيس الوزراء

في مثل هذا اليوم، الأثنين، من الأسبوع الماضي، كانت لي فرصة لقاء وحوار متعدد الأبعاد، مع صاحب السمو الشيخ خليفة بين سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، حيث شرفني فيه بتقديره لمساهماتي الصحفية، كما عبر سموه عن إهتمامه الخاص بما أطرحه من خلال كتاباتي في الصحافة البحرينية، وأنا إذ أقدم شكري وإمتناني لإهتمام وحرص سموه على دعمه وتشجيعه لي ولجميع المخلصين والحريصين على مصلحة هذا البلد، إلا إنني أرى إنه من واجبي أن أسرد هنا جزء مما دار من حوار في ذلك اللقاء الذي استمر لفترة تزيد على الساعة مع سموه.
أحد الأبعاد الرئيسية الذي طرحه سمو رئيس الوزراء في ذلك الحوار، والذي أبدى إهتماماً خاصاً في الإستماع لوجهة نظري حوله، كان حول الواقع المحلي وذلك النمط من العمل السياسي الذي لا يزال متمسكاً بتلك الأسس القديمة والقائمة على الرؤية الأحادية الجانب ودون الأخذ في الإعتبار مدى أهمية الأدوار التنموية والاقتصادية والسياسية للوطن، وتلك الأسس القديمة القائمة على اللامبالاة أو عدم القدرة على القراءة الواقعية والسليمة لتلك الأدوار والسياسات الدولية والإقليمية الراهنة والمحيطة بنا، وعدم القدرة على قراءة واقعنا المحلي الصغير كجزء مما يحاك لهذه الأمة وما تعيشه من أحداث، والذي يتطلب رص الصفوف وتوحيد الجهود لدرء أخطارها قدر الإمكان.

إضافة إلى أن كل طرف من الأطراف في هذا المجتمع الصغير لديه قراءاته المحدودة بما تتناسب مع مصالحه الخاصة بهدف الحصول على مكتسبات آنية دون مراعاة للأبعاد الاستراتيجية بعيدة المدى، وإن الحرص على مجمل المصالح الوطنية يستدعي التمييز في العمل السياسي بين التوازنات المختلفة القائمة على رؤية وطنية شاملة وجامعة وليس مصلحة فئات وأطراف، أي بمعنى إننا إن لم نعمل معاً على تحقيق مصالحنا من الداخل فلن يستطيع أن يحققه لنا أي طرف آخر غيرنا، حيث الآخر يبحث دائماً عن مصالحه فقط، ولا يقوم، قط، بأعمال خيرية لحماية حقوق ومصالح الآخرين بدون مردودات ومكاسب خاصة به ووضعت في إعتباره مسبقاً.
ومن موقعي كمشاركة ومراقبة وقارئة للواقع السياسي في البحرين منذ ما لا يقل عن ثلاثة عقود، ومراقبة له كعمل سياسي علني نعيشه منذ ما يقارب ثلاث سنوات، وكمراقبة ومحللة لما يجري علينا اليوم من ممارسات دولية تستهدف الأمة العربية إجمالاً من خلال تفتيت مجتمعاتها وزيادة الصراعات الداخلية في كل مجتمع عربي على حدة، من موقعي هذا، أستطيع أن أؤكد كم نخسر كل يوم ضمن هذا الواقع السياسي الذي نعيش.
لقد خُلِقَت الفجوة بين الشعوب العربية وحكوماتها منذ عهد بعيد، ولكن اليوم، وضمن المخططات والسياسات الدولية الجديدة التي تهدف للمزيد من الإضعاف والتفتيت داخل جميع المجتمعات العربية، يتم العمل على زيادة إتساع وعمق تلك الفجوة، لكي تستفيد منها أطراف أخرى لا علاقة لها بمصالح هذه الشعوب ولا هذه الحكومات، رغم كل ما يطرح من مشاريع الإصلاح...
فرقونا إلى طوائف مذهبية وأثنية، وإخترقوا مؤسساتنا المدنية كما إخترقوا الشعوب العربية، فأصبحت كل جماعة وطائفة ومؤسسة تبحث وتدافع عن مصالحها الذاتية والآنية، وجعلونا نضع المصلحة الفئوية فوق مصالح الوطن. ولتحقيق هذه المصالح الفئوية أصبحت الفئة تلجأ لأي طرف خارجي تتصور إنه يمكن أن يحقق لها طموحها، متناسية طموحات ومصالح الوطن...
تعددت وتنوعت الفرق الطائفية، وأصبحت الطائفة إنتماء وولاء، وأصبحت الطائفة تبحث عن مصالحها حسب ما يمكن أن تبرزها وتصيغها وتلعب بها تلك القوى الدولية، فتصورت الطوائف إن هناك من يمكن أن يساندها ويعطيها القوة عندما تضع مصالح أوطانها بعيداً عن أولوياتها، وإن هناك من يمكن أن يضغط من الخارج لتحقيق مصالحها، فكانت لهذه الفئات والطوائف قراءات خاطئة تأسست على حسابات خاطئة دون أن تأخذ دروساً من التاريخ، القديم منه والحديث...
وعادت تلك القوى والتنظيمات السياسية القديمة لعادتها القديمة، عادت بعملها اللامنهجي لتمارس نفس العمل القديم، ذلك العمل القائم على الصراعات والتمركز والبحث عن الأنصار والمشجعين والمصفقين لما تقوم به من مهرجانات مدعية أن هذا هو العمل السياسي...
وما هذا كله إلا جزء بسيط مما يتم العمل به ضمن المفهوم الجديد لمبدأ "فرق تسد" الإستعماري ... إنه أختراقات في أعماق مجتمعاتنا... نجحوا في إختراقنا مستفيدين من مفاهيمنا العاطفية وضعفنا المعرفي والثقافي وتدني وعينا الإدراكي بشكل عام... فهل يمكننا التحلي بالموضوعية في تفسير ذلك الخلل الجوهري في المجتمع، وإلى حاجتنا القصوى للإصلاح، وحاجتنا إلى العمل الجاد لردم الفجوة بين الحكم والشعب قبل فوات الأوان؟؟


كلمات دالة: