الديمقراطية الأمريكية

يبدو من النشاطات الميدانية المحمومة على الساحة العربية عموماً والساحة الخليجية خصوصاً بأن مبادرة الشراكة الأمريكية للشـرق الأوسط (مبادرة باول)، هي قيد التنفيذ وعلى أشدها. أما على مستوى البحرين فلم يعد هذا المشروع خافياً، بل العمل به مستمر منذ لحظة انطلاقته، وذلك من خلال مؤسسات أمريكية تحت مسميات مختلفة وبالشراكة مع مؤسسات عربية ومحلية ومع أفراد من مختلف القطاعات، مستهدفاً جميع قطاعات المجتمع بدءاً بمؤسسات المجتمع المدني وبالأخص الجمعيات السياسية والنسائية والشبابية، بالإضافة إلى المجالس المنتخبة التي تمثل الشعب في مواقع التشريع وصنع القرار. فها هي ورش العمل والمؤتمرات الخاصة بنشر الديمقراطية المزعومة في أعماق مجتمعاتنا تترافق مع المنتديات الإقتصادية (المنتدى الاقتصادي في الأردن)، بطريقة سلسة وبدون أي إعتراض علني، بل وبمشاركة جميع المؤسسات المدنية والأهلية والمجالس المنتخبة التي أصبحت مندفعة للحصول على المميزات الفردية والجانبية لهذه الفعاليات.


جاءت مبادرة الشراكة الامريكية للشرق الأوسط لتنمية الديمقراطية والتجارة الحرة، كما تدعي الإدارة الأمريكية، بقرار سياسي استراتيجي أمريكي مفروض على منطقتنا، ولذلك تعمل حكومات المنطقة وقيادييها على توفير جميع السبل والوسائل والتسهيلات المطلوبة لتحقيق نجاحها، ومن لا يطيع من هذه الأنظمة فسوف يقع في المحظور وسوف يجرب العقاب الأمريكي.
في الشق الاقتصادي من هذا المشروع تحاول الولايات المتحدة فرض الحلول الموحدة على اقتصادياتنا التي تتميز بتنوعها الإقليمي الواسع بما يجعلها مسخّرة لمصالح الأمبراطورية الأمريكية المهيمنة، ومجحفة بحق شعوب المنطقة بأكملها، وعليه جاء قرار الولايات المتحدة حازماً في المنتدى الإقتصادي في الاردن بإقامة منطقة تجارة حرة إقليمية شرق أوسطية بعقد اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية مع جميع الدول العربية بعد أن وقعت على اتفاقية التجارة الحرة مع الأردن، على أن تنتهي من مشروع المنطقة الحرة الإقليمية في غضون عشر سنوات.
أما الشق الآخر من مشروع مبادرة الشراكة الأميركية للشرق الأوسط وكما تسميه المبادرة "تنمية الديمقراطية في المنطقة" فهو يعتبر جزء متكامل مع الشق الاقتصادي لتوفير المجتمع الصالح لتحقيق المصالح الاقتصادية الأمريكية، والمتقبل للفكر الصهيوني والدولة الإسرائيلية، من خلال إنتاج جيل جديد من المتدربين والصالحين للتنافس في سوق العمل الرخيص من جهة ولفتح المنطقة كأسواق مستهلكة فقط من جهة أخرى، وذلك بالتركيز على تغيير المناهج الدراسية والقيم والثقافة والسلوكيات من خلال سياسات إعلامية وتعليمية موجهة لتحقيق هذا الغرض الذي سوف يكون فيه الكثير من الانتقاص للحقوق والهيمنة لسطوة المال والقوى الانتاجية الكبرى على المجتمعات الإستهلاكية الصغيرة والضعيفة، ودون أن تتحقق أية تنمية حقيقية تساعد على بناء قوة اقتصادية عربية يمكن أن تهدد المصالح الغربية.
وفي الجانب الآخر ستعمل السياسة الأمريكية مع شركائها في المنطقة على دعم ما يدعى بالتنمية السياسية وتنمية المجتمع المدني!!؟ من خلال نشر الوعي الديمقراطي، حسب المفاهيم والمصالح الأمريكية، من خلال المؤسسات المدنية والأهلية والمجالس المنتخبة ، وتحت شعارات مختلفة، حرصاً على توفير قاعدة شعبية تتعلم الديمقراطية في الحدود التي تحقق الاستقرار الأمني الصالح لتلك السياسات الاقتصادية الجديدة ، وفي الحدود التي لا تهدد المصالح والتواجد الاستعماري في المنطقة.
في النهاية يمكن أن نلخص هذه المبادرة على أنها سياسات جديدة لخلق مجتمعات جديدة مستسلمة ومتقبلة لفكرة الاستعمار والاحتلال والدولة الإسرائيلية، ومُجَرّدة من جميع وسائل الرفض والتحدي حتى في ثقافاتها.
فما هي موقف مؤسساتنا السياسية في المعارضة وفي الحكم؟؟