أين قضية المرأة في الأولويات العربية؟

في هذا المجتمع العربي المثقل بالقضايا المصيرية والمتعب من الصراعات الداخلية والخارجية، الذي تتكالب عليه المشاكل الاقتصادية والتنموية والسياسية والعلمية، هل يمكن أن تعطى قضية المرأة، ودورها الأساسي في بناء المجتمع، اهتماما رئيسيا قائما على مبدأ الرغبة الحقيقية في العمل من أجل التغيير على أسس مؤسسية متكاملة في أولوياتها للحاق بركب الحضارة العصرية؟
هل يمكن أن تحقق المرأة ذاتها في هذا المجتمع في ظل ضغوط المفاهيم الثقافية المختلفة المرتبطة أساساً بالتقاليد السلبية والنصوص الانتقائية، المحصورة بين العيب والمحافظة، التي تعود إلى ما قبل الإسلام، بمقدار ماهي مرتبطة بالتفاسير والإجتهادات الدينية الانتقائية، المحصورة بين الحلال والحرام؟


ضمن هذه المفاهيم تم ترسيخ ثقافة "الرجال قوامون على النساء" من دون أن يساير هذه الثقافة أي تطور علمي وواقعي طوال عقود النهضة العربية وعقود التنمية التي تبنتها المؤسسات الدولية كما تبنتها الأنظمة العربية . . وبين التشديد والتساهل في تفسير هذا المفهوم ضاعت حقوق المرأة وهمّشن دورها، لعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها أمام ما يحاوله البعض من إعطاء هذا النص من قدسية لا يمكن الجدال فيها، بهدف تحقيق بعض الأغراض السياسية الثانوية التي من شأنها الإمعان في إضعاف المجتمع العربي والإسلامي فيما يواجهه من صراعات تتتالي على هذه المنطقة من العالم.
ورجوعاً إلى السؤال ذاته، في مجتمع محكوم بقيم تقاليده السلبية دون الإيجابية، وقيم المحافظة والعين والحرام، التي تعني ضمنيا مقاومة التغيير والتطور، هل بإمكان المرأة وحدها، من دون مشاركة الرجل أو المشاركة المؤسسية الرسمية، العمل على تغيير هذه الثقافة التي بدأت بأخذ مداها في وعي المجتمع، وتغيير هذا الوضع المجحف بحق المرأة وبمصير الأمة؟ . . وهذا ما يدعونا لتأكيد نظريات التغيير والتطوير، التي تؤكد بدورها أن المجتمع الذي لا يتبنى فلسفة يكون التطور والتغيير فيها غايات قائمة بحد ذاتها، فإن مشاركته السياسية وإنجازاته تكون محدودة ومشتتة وتابعة وغير حاسمة حتى بالنسبة إلى الرجل فما بالك بالمرأة، مما يعني أن التغيير في مجتمعاتنا سار طويلاً في اتجاهات عدم قبول الحداثة، وباتجاه تحقيق ديمقراطيات هزيلة بمفاهيم ناقصة للحرية وحقوق الإنسان.
وأخيراً في مجتمعات كهذه هل هنالك إمكانية لمشروع تحقيق الذات بالنسبة إلى المرأة العربية؟
هذا ما يجب علينا التحقق منه بالعمل الحقيقي والجاد وعلى جميع الأصعدة، وبتبني فلسفة التطور والتغيير، وبغربلة المفاهيم والثقافة المجتمعية الإيجابية والسلبية ونشر بذور ثقافة مجتمعية جديدة يُعَوّل على مضمونها التراكمي مع الزمن.
وهذا ما يدعو المجتمع بأكمله للبحث بعمق في شأن المرأة العربية ووضعها الطبيعي الذي لا يمكن تجاهله . . كما هي دعوة إلى المرأة إلى أن تتسلح باكتساب المزيد من المعرفة والكفاءة، لتحفر في ذاكرة المجتمع قبولا عاما لوجودها ودورها في عملية المشاركة السياسية للوصول إلى مواقع صنع القرار، وأن تقدم الأدلة والبراهين لإقناع المجتمع بأن حقوقها وواجباتها غير قاصرة على ما تم رسمه لها لتحديدها في إطار وقالب نمطيين وتخلفها وراء الحواجز والفواصل التي وضعت بينها وبين الرجل.


كلمات دالة: