صور من الواقع (1)

مع بداية فترة الصيف والإجازات السنوية، يبدأ الكلام عن السفر للترفية والسياحة، للخروج من نمط وروتين العمل اليومي... ويكثر الحديث عن إرتفاع أسعار تذاكر السفر والطيران، وإرتفاع أسعار الشقق والفنادق في كل أنحاء العالم، وإرتفاع أسعار الأكل والمطاعم والأسواق في هذا البلد أو ذاك... إلخ، مما يعطي مؤشرات واضحة عما تمثله تلك الأسفار والرحلات من عبء كبير على ميزانيات الغالبية العظمى من المواطنين، سواء من ذوي الدخل المحدود أو الأعلى... ولكن، ورغم ذلك، لا تمنعهم كل تلك الأسباب عن السفر إلى مختلف بقاع العالم، وعن تحمّل كل تلك الأعباء المالية التي يمكن توفيرها لأغراض أكثر أهمية ونفعاً...

وفي النهاية لا نعلم بالضبط ماذا يحققون من خلال تلك الأسفار السنوية التي غالباً ما تبدأ وتنتهي في زيارة الأسواق لشراء مواد إستهلاكية يمكن الحصول عليها من أسواقنا المحلية وبأسعار متفاوتة.
يا ترى هل السفر إلى خارج حدود البلد سنوياً أو موسمياً، لقضاء الإجازة الصيفية أو أية إجازة أخرى، يعد ضرورة ملحة وفرض واجب... أم هو سلوك إستهلاكي تعلمناه، كباقي السلوكيات الخاطئة التي تعلمناها، مع الطفرة النفطية، والوفرة الإقتصادية، وإستمرأنا الإستمرار في ممارستها رغم إنتهاء تلك الطفرة وتلك الوفرة التي لم تستمر أكثر من سنوات معدودات، بل وإنتهت بإنتكاسات وأزمات إقتصادية لعدم جدارتنا في إستغلالها لصالحنا...
نعم، تمارس الغالبية العظمى من شعب الخليج هذا السلوك وغيره من سلوكيات الشراهة الإستهلاكية، بشكل لا تمارسه حتى شعوب الدول الأكثر تقدماً وثراءاً في العالم، ودون أن نحاول معرفة منافعها أو مضارها... ومن دون شعوب العالم، لا يملك هذا الشعب، المفاهيم المعرفية في إحتساب آثار تلك الممارسات الإستهلاكية وتأثيراتها الجائرة على ميزانية الفرد وميزانية الوطن ومستقبل الأجيال... ذلك الإنهاك الذي يجعل الفرد والوطن مقصران وعاجزان عن تحقيق أهداف إستراتيجية أكثر أهمية من الإشباع الإستهلاكي الرخيص وقصير المدى.
أما الجانب الآخر من القضية، فيتمثل في تساؤل كبير حول الفوائد التي يكتسبها هذا الشعب من تلك الأسفار والرحلات المتكررة والمكلفة، في رفع مستواه المعرفي والإدراكي والمعيشي... بدءاً من الإنفتاح على الثقافات الأخرى، والتعرف على عادات وإهتمامات الشعوب، وتاريخ الأمم وقصصها من خلال متاحفها ومكتباتها وفنونها وآدابها... وإنتهاءاً بالبحث عن أسباب تقدم تلك الأمم وتخلفنا... ومروراً بمدى إكتساب شعبنا الخليجي لمفهوم التعايش مع الشعوب الأخرى وثقافاتها، وتأثير هذا المفهوم في الثقافة الخليجية المتعالية على الشعوب الأخرى، والتي لا ترى إلا الجانب السلبي والسطحي في تلك المجتمعات دون التعمق في الجوانب الإيجابية التي تدفع تلك الأمم إلى التقدم والتطور بينما نخسر نحن مواردنا الإقتصادية ومكتسباتنا الثقافية الإيجابية، مع مرور الزمن، دون أن نحقق لأنفسنا مرتكزات أساسية نبني عليها المستقبل الإقتصادي والثقافي والمعرفي الذي نتمناه لأجيالنا القادمة.
من أرض الواقع، ولكن بدون التعميم، يمكننا الإجابة على هذه التساؤلات سلباً، للأسف الشديد... حيث لا تستفيد الغالبية الخليجية من هذه الرحلات، إلى مختلف بقاع العالم، سوى في إشباع جوعها الإستهلاكي...
يا ترى، ألسنا بحاجة للحوار مع أنفسنا حول هذه الممارسات؟!... وألسنا بحاجة لتغيير نمط الحياة الإجتماعية التي تعيشها مجتمعاتنا لنتمكن من إبتكار وإستغلال سبل الترفيه المحلية لقضاء إجازاتنا على أرض الوطن، وبالتالي توفير مواردنا؟؟...


كلمات دالة: