قتلة بالفطرة!

العنوان أعلاه هو لمقال بقلم الصحفي الأمريكي "تشارلز كلوفر" نشر في صحيفة الفاينانشيال تايمز نيوز "News.ft.com"... يصف فيه تجربته كصحفي مرافق للقوات الأمريكية في حربها على العراق، بفلسفة قد تكون خافية على الغالبية العربية التي ترى في المجتمع الأمريكي مناراً للديمقراطية، وتردد كالببغاوات إن الإرهاب مصدره عالمنا الإسلامي العربي اللاديمقراطي... يقول كاتبنا:
"احدى ذكرياتي المريرة عن تجربتي في تغطية الحرب على العراق، كصحفي مرافق للقوات الامريكية، كان لجندي أمريكي صغير السن بعد معركة في شوارع النجف، خلال تبادل إطلاق الرصاص مع قناص، أسرعت سيارة فيات زرقاء في الشارع محاولة الهرب، أطلق الجندي 15 صلية من سلاحه الآلي وقتل السائق الذي تبين أنه أستاذ جامعة وغير مسلح، بعد ساعة سمعت الجندي يشكو من أن سلاحه محشور مما يمنعه من إطلاق المزيد من الصليات. وفي هذه الأثناء تجمع زملاؤه الجنود حوله يهنؤونه على أول عملية قتل يقوم بها، ولم يكن من الواضح حينئذ إذا كان يعرف من قتل أو إذا كان لذلك أية أهمية .وقد كنت دائما أجد صعوبة في فهم كيف يمكن لمراهق أمريكي، قد يكون نشأ في الضواحي مثلي، أن يكون له هذه النظرة إلى القتل... لقد رأيت الكثير مثله.


إن هذه المجموعة من الأمريكان الشباب العنيفين هم موضوع أحد أفضل الكتب عن حرب العراق، وهو كتاب (قتل الجيل) لمؤلفه "إيفان رايت" الذي غطى الحرب لمجلة "رولنج ستون" بصفته مراسلا مرافقا للمارينز. ولا يعرف المرء كيف يصنف كتاب (قتل الجيل)... إنه ليس مناهضا للحرب في تناوله ولكن مجمل الملاحظات التي قدمها المؤلف تقود إلى تجريم السلوك الأميركي في العراق... ومثل الجيل الذي يراقبه، فإن الكتاب لايمتلك بوصلة أخلاقية، أنه ببساطة تسجيل للأحاديث والأفعال والاخطاء – وكل ذلك مدون بإسلوب بديع يرفع من نسبة الأدرينالين لدى قارئه.
والعنوان يقول كل شيء: هذا هو كتاب حول معاصري مذبحة مدرسة كولومباين الثانوية في كولورادو الذين يشقون طريقهم كرأس حربة في العراق، "إنهم يمثلون تقريبا الجيل الأمريكي الأول المكون من الأطفال الذين يسهل التخلص منهم بعد الاستعمال"، هذا ما يقوله رايت الذي يقدّر إن نصف الفرقة التي كان يرافقها جاءوا من منازل تفتقد أحد الأبوين "الكثير منهم نشأوا على قضاء وقت مع ثقافة العاب الفيديو وبرامج الواقع في التلفزيون، والمواقع الإباحية في الانترنيت أكثر مما يقضونه مع عائلاتهم"... إن جوهر الكتاب يناقش التقاطع المظلم للحرب واستحواذ العنف على نفوس هذا الجيل.
نقل رايت عن أحد الجنود قوله "كنت أفكر في شيء واحد ونحن ندخل في ذلك الفخ، لعبة السرقة الكبيرة، مدينة الخطيئة (إشارة الى لعبة كومبيوتر معروفة)، لقد شعرت إني أعيش تلك اللعبة عندما رأيت اللهب يخرج من النوافذ والسيارة المتفجرة في الشارع والرجال الذين يزحفون حولنا وهم يطلقون علينا النار، كان شيئا رائعاً".
إن هذا الجيل سوف يلعب دورا حاسما في حرب أمريكا اللانهائية على الإرهاب ، دوراً جيدا أو سيئا، فكما يلاحظ رايت كان الجنود من العنف بحيث أنهم لا يحتاجون إلى سبب للقيام بمهامهم الشنيعة. وعلى عكس جيل فيتنام الذين كانت تمثل لهم الحرب فقدان البراءة، لم يكن لدى جيل جنود العراق (الأمريكان) براءة يفقدونها، أنهم جيل (الحكومة الكاذبة كذبا ضروريا مثل الضرائب)، حسب وصف رايت ، وهم سعداء تماما بمعرفتهم أن الحرب هي من أجل الحصول على النفط.
ومن خلال تغطيتي للحربين في أفغانستان والعراق في السنتين الماضيتين رأيت هذه المجموعة من الشباب المنحرف إجتماعيا ، والمسلح تسليحا ثقيلا، وهم يصبحون مسؤولية أمريكا الدولية. إن الثقافة الشبابية العنيفة في أمريكا كانت منذ زمن مثار فضول العالم، ولكنها أصبحت الآن في تماس مباشر وغير مسبوق مع حضارات قديمة، لا شبابنا يفهمها ولا هي تفهمهم.
والنتيجة فظيعة ومأساوية، وبالنهاية هازمة للولايات المتحدة وحلفائها... فقبل كل شيء كان التغير الحاسم في الرأي العام العراقي ضد الاحتلال في الأشهر الاخيرة بسبب التماس بين العراقيين وهؤلاء الشباب والشابات... فبدلا من كسب القلوب والعقول خارج أمريكا أصبح الجنود المصدر الرئيسي للغضب العالمي ضد الولايات المتحدة... وهي حقيقة تمثل بوضوح نتائج أولوية الولايات المتحدة القومية في إنتاج الصواريخ وحاملات الطائرات على حساب التعليم والتثقيف، وهي حقيقة تلقي الضوء على اللاعدالة في توزيع الدخل والثروة التي صنعت من الفقراء مرتزقة.
وقد شرح أحد جنود المارينز في الفرقة التي رافقها رايت، والبالغ عددهم 374 فرداً، شرح ثقافتهم العنيفة بقوله "لقد تم غسيل أدمغتنا وتدربنا على القتل... أثناء التدريب علينا ان نصرخ (أقتل) 3000 مرة في اليوم، ولهذا فأن القتل سهل بالنسبة لنا."
كما يوضح ناثانيل فيك، اللفتنانت البالغ من العمر 25 سنة، هذه النقطة قائلا "من الغريب إن نسبة عالية من المارينز الذين نزلوا على السواحل في الحرب العالمية الثانية، لم تطلق النار، ولكن ليس هؤلاء الشباب الذين لايهمهم القتل".
وبين مهرجانات العنف هذه كانت هناك لحظات من الندم ... سارجنت أمر بطريق الخطأ أحد الجنود أن يقصف منزلا مدنيا، وكان عليه ان يواجه نتائج عمله، ليرى طفلاً عمره 12 سنة مصابا إصابة بليغة وأمه الباكية... ويعلق على ذلك بقوله "إن الطيار لا يرى نتائج فعلته ولكن رجال المدفعية على الأرض يفعلون ذلك، ان التفكير في هذا يقتلني" ... إنتهى.