كيف نقرأ الولايات المتحدة

في ورقته البحثية حول "المشهد الاقتصادي في الولايات المتحدة وتداعياته على سياساتها الخارجية"، يحلل الدكتور زياد حافظ، الاقتصادي اللبناني المقيم في الولايات المتحدة، مكونات وآليات تلك السياسة التي أدت إلى تفوق الولايات المتحدة وتمكنها من تحقيق السيطرة الشاملة، لينتقل إلى معالجة إمكانية إستمرار تلك السيطرة، التي يشكك فيها الباحث من خلال تحليله للعامل الإقتصادي وتأثيراته على إضعاف قدرة الولايات المتحدة على تحمّل الأعباء الاقتصادية والمالية المرتبطة بتنفيذ سياساتها الخارجية، إضافة إلى الأعباء السياسية والاجتماعية التي تفرضها تلك السـياسات على المجتمع الدولي والأمريكي على حد سواء...


ينطلق الباحث في دراسته من إن البعد الاقتصادي يفوق في أهميته على القدرة العسكرية الأمريكية وفعاليتها وآلياتها التي تحولت منذ إنهيار الأتحاد السوفييتي إلى قوة لا تقهر حسب "المعتقد الإيماني" لليمين الأمريكي المحافظ... إلا إن الباحث يرتكز على شهادات قريبة من المحافظين الجدد، ليضيف إن هذا التفوق العسكري أقل شمولية مما يعتقد، وأقل فائدة مما يتصوره المحافظون الجدد، حيث "أن الحروب التي شنتها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصرت فيها لم تكن إلا على خصوم أقل قوة ومقدرة على مجابهتها كباناما وجرينادا والعراق، أما الخصوم الأكثر كفاءة ومقدرة عسكرية فإما أجبرت الولايات المتحدة على التعادل (كوريا)، أو هزمتها (فيتنام)، ناهيك عن تقهقرها في لبنان والصومال. أما إنهيار الاتحاد السوفييتي فقد أتى نتيجة طموحاته الجيوستراتيجية التوسعية وسعيه للحصول على القوة العسكرية، مما أدى إلى إفلاسه الاقتصادي، ويمكن القول أن الاتحاد السوفييتي هزم نفسه ولم تهزمه الولايات المتحدة".
وهكذا يشكك بعض الباحثين في قدرة الولايات المتحدة على إدارة إمبراطوريتها بقدراتها العسكرية التي تبالغ في تقييمها، حسب ما تؤكده المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة الآن وحتى في المستقبل المنظور... أي إن "الولايات المتحدة أقوى مما يتماناه خصومها وأقل قوة مما تعتقده هي".
في بحثه يحاول الباحث بيان مصادر الضعف الإستراتيجية في السياسات الأمريكية من خلال، 1- الواقع الاقتصادي، حيث يعاني النظام الاقتصادي الأمريكي من فساد بسبب عدم التنظيم، وتتعرض البنية الاقتصادية إلى خلل بسبب إنكشافها وتبعيتها للعالم، 2- المشاكل الاجتماعية الداخلية، التي تعاني منها كالبطالة الناتجة عن تصدير فرص العمل إلى الخارج، 3- صعود الظاهرة العسكرية في المجتمع الأمريكي، وزيادة سطوة نفوذ المجتمع العسكري الصناعي في رسم السياسات الخارجية والاقتصادية لمصلحة الشركات العابرة للقارات على حساب مصلحة الشعب الأمريكي، 4- زيادة انتشار القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، مما يغذي النزعات العدوانية وعدم الاستقرار والحروب، 5- البنية الفكرية السائدة، وافتراضاتها الزائفة التي تنظّر للسياسات الاقتصادية والعسكرية العدوانية بإسم الديمقراطية والحرية.
ومن خلال تحليل علمي للخلل النظامي والبنيوي للاقتصاد الأمريكي يعرض الباحث رؤيته في ما يشكل مواقع الضعف الإستراتيجية في ذلك الاقتصاد ذو التأثير المباشر على السياسة الخارجية الأمريكية في، أولاً: التآكل في التصنيع الأمريكي افقده موقعه الريادي، وذلك بسبب الاعتماد على نقل مصادر الإنتاج إلى الخارج لتخفيف الكلفة ولزيادة الأرباح، إضافة إلى المنافسة من دول العالم، ثانياً: زيادة ضعف الإقتصاد الأمريكي وتراجع الدولار كعملة أحتياط نتيجة لتراكم العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات والموازنة العامة، ثالثاً: تسبب رفع القيود عن الأسواق المالية الأمريكية في زيادة ضعف المراقبة والسيطرة على المعاملات المالية التي تهدد مصداقية النظام المالي المعمول به، رابعاً: الدين المتزايد للحكومة والموازنة والشركات والأفراد يعمل على زيادة عدم الإستقرار في الأسواق المالية الأمريكية، خامساً: العجز في الموازنة بسبب سياسة الإنفاق على الدفاع والأسلحة وتخفيض الضرائب على الفئات الغنية تعكس فلسفة تحالف المجمع العسكري الصناعي والشركات الكبرى في الولايات المتحدة دون الإكتراث بما يحصل للشعب الأمريكي، وإن وزارة الأمن الداخلي المستحدثة لمراقبة طبائع ومزاج الجمهور الأمريكي مدعومة بنخبة سياسية وإعلامية متواطئة، سادساً: تزايد التبعية والاعتماد على النفط المستورد يزيد النزاعات العدوانية العسكرية لتأمين احتياجات المجتمع الأمريكي، سابعاً: تراجع الحركة العمالية في أمريكا وتزايد موجة تصدير الوظائف إلى الخارج على حساب الطبقات الوسطى يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يراكم الظروف الموضوعية لثورة إجتماعية على وشك الإكتمال.
للحديث بقية...