المخدرات والأمن القومي العربي (2)

يقول العالم العربي الكبير، الدكتور عادل صادق، إن إدمان المخدرات يعد حالة مرضية متعددة الأسباب، وإن نسبة المعافاة التامة منه تصل إلى 5% فقط (في أحسن الظروف)، ومشوار العلاج مضني ومتعب جداً، من حيث إنه يجب أن يكون علاج طبي ونفسي وعقلي واجتماعي وديني وروحي وأخلاقي وسلوكي، في خطوط متوازية ومترافقة لكي نضمن المعافاة. أما المدمن الذي لا يكون ضمن هذه النسبة من المتعافين فإن نهايته، بكل تأكيد، ستكون إما الموت وإما السجن وإما الجنون.
في شرحه للمراحل المختلفة التي يمر بها متعاطي المخدرات ليصل إلى حالة الإدمان يقول إن المخدرات تحدث عند تعاطيها في البداية أثراً طيباً وممتعاً، وآثاره تظهر على شكل حالة من الاسترخاء وانتهاء القلق والإبتهاج النفسي، ولكن المرحلة الثانية تبدأ عندما يطلب الجسم جرعات أكبر للوصول إلى ذلك الإحساس، وهنا يبدأ العد التصاعدي في زيادة الجرعات للوصول إلى مرحلة الإدمان، وهذا يعني إن عدم التعاطي يسبب تلك الآلام المبرحة التي تدعى آلام الإنسحاب، مما يدفع المدمن إلى ممارسة أرذل الأعمال للحصول على الجرعات التي يطلبها جسمه ، فيبدأ بالسرقة وينتهي بالقتل والسجن. إذن الإدمان حسب ذلك الوصف يعد حالة متقطعة تحدث آثار نفسية وفسيولوجية عصبية في الإنسان، والحل الأمثل لعلاج هذه الحالة برمتها يتلخص في كيف يتم توجيه هؤلاء الشباب إلى عدم التفكير في المحاولة الأولى لتجربة المخدرات، وهذا الحل هو ما يدعى بالوقاية.
الوقاية من الإدمان، كما من الكثير من الأمراض الإجتماعية الأخرى، تبدأ من داخل البيت كوحدة مكانية ومعنوية يعيش فيها الفرد أطول فترات حياته ويستمد منها أكثر المفاهيم السلوكية والأخلاقية أهمية في حياة المجتمعات بشكل عام. وهنا يؤكد الدكتور صادق إن مجتمعاتنا التي فقدت مفهوم أهمية تواجد وترابط أفراد العائلة يجب أن تعيد تقييم مفاهيمها من جديد لمعرفة الأضرار التي تسببت بها المفاهيم الجديدة. وأهم ما يجب مراجعته هو ضرورة ترتيب الكم الزمني لتواجد الأب والأم جسدياً في المنزل مع أبنائهم وبناتهم إضافة للنوع الزمني لتواجدهم الجسدي والمعنوي معاً، إذ هناك علاقة كبرى بين الحجم الزمني لتواجد الأب والأم مع الأطفال ، وتوزيع الأدوار بين أفراد العائلة، وإجتماع العائلة كلها على وجبة طعام واحدة على الأقل في اليوم، وبين التقليل من نسبة التعرض للمخدرات.


أما النوع الزمني لتواجد الوالدين يعني الإستغلال الأمثل للوقت في نوعية التنشئة والتعامل مع الأطفال، بإعطاء كل طفل أهمية خاصة، وتفهّم أفكاره ومشاعره ، والعمل على ردم الفجوة الثقافية بين الكبار والصغار بالتعامل الديمقراطي بين أفراد العائلة، والتعامل المتحضر لمفاهيم عدم تعرض الأطفال للضرب او الغدر أو الإهمال أو القهر من قبل الكبار، وبممارسة أكبر قدر من حرية التعبير وتعود الإستماع لمشاكلهم وأفكارهم مهما كانت بسيطة، وخلق آليات سليمة للثواب والعقاب. والأهم من كل ذلك خلق الحوار بين الأجيال لإيصال المفاهيم والقيم التي يجب أن يتشربها الأبناء مبكراً.
يتم حماية الأمن القومي للأمة بحماية أمن وقيم وهوية وثقافة المجتمع، لذلك يعد إنتشار المخدرات وتزايد حالات الإدمان المدمرة لشبابنا أكبر إختراق وتدمير لقيم وثقافة وهوية المجتمعات العربية وهدر لقواها البشرية المستقبلية، وفي النهاية أكبر تهديد للأمن القومي العربي. وفي الجانب الآخر فإن ما يتم إبتعاثه إلينا اليوم بإسم تغيير المناهج التعليمية ونشر قيم الحرية الغربية في مجتمعاتنا التي تفتقد لمؤسسات واستراتيجيات ثقافية وسياسية واقتصادية وعلمية كما تفتقد لمؤسسات تعنى بالدراسات والأبحاث، ما هو إلا غزو ثقافي وفكري موجه ضدنا يعادل قوة وبطش أساطيل وجيوش الغزو العسكري.
وهنا يتساءل عالمنا الكبير بفكر سياسي واعي، هل مشكلة المخدرات والإدمان تعد مشكلة قطرية أم عربية؟ وهل نملك كأقطار أو كأمة منهج علمي لمواجهة هذا الخطر؟... وهل نملك استراتيجية عربية موحدة أو قطرية لمواجهة المخدرات؟ الإجابة، لا... ولكن لماذا؟...
الاسباب كما يوردها الدكتور صادق تتلخص في إننا أمة تتعدد نظرياتها وغير قادرة على بلورة مدرسة علاجية متكاملة حتى قطرياً، ولا تمتلك قاعدة بيانات علمية، وكثيراً ما يتصدى غير المختصين وغير العلميين للفتوى في كل شيئ، كما إن النخب السياسية تعد تابعة لمبادرات وإهتمامات السلطة السياسية أي لا تملك المبادرة ولا العمل الإنتاجي المبدع (توجه قطيعي لإرضاء السلطات)، وأمة لا تجيد التنسيق بين مؤسساتها (إن وجدت)، وأمة لا تملك مؤسسات دراسات ولا الدعم المادي لابحاثها... لهذا كله لا تتمكن هذه الأمة من امتلاك الوعي الإستراتيجي والعقلية القادرة على تجميع وجهات نظرها نحو البناء الاستراتيجي المستدام.