المخدرات والأمن القومي العربي (1)

بدعوة من مستشفى البحرين الدولي، قدّم العالم النفسي الكبير، الدكتور عادل صادق، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة عين شمس ومدير مركز الطب النفسي في القاهرة، محاضرة علمية ثقافية وطنية، إلى جمهور المستشفى في أحدى قاعاته، بعنوان دور الأسرة في علاج المدمن، ليقرع جرس الإنذار إلى خطورة المخدرات والإدمان على شبابنا من حيث إنه إختراق وغزو ثقافي واقتصادي ضد العرب، يعادل خطر الغزو العسكري بأحدث آلياته التكنولوجية، إن لم يكن أكثر خطورة منه.
جاءت الإشارة الأولى من المحاضر للتأكيد، رغم عدم توفر قاعدة بيانات دقيقة، على إن خطر الإدمان في منطقة الخليج في تسارع وتزايد بمعدلات كبيرة وخطيرة جداً، لعامل رئيسي وهو توفر المال لدى فئة الشباب في هذه المنطقة، وهو العامل الذي كان لفترة طويلة عائقاً ضد تفشي هذا الخطر في دول عربية أخرى. ولعدم توفر هذه البيانات عن الحالة الخليجية، إستعان محاضرنا ببعض البيانات المتوفرة، حول الحالة المصرية، للإشارة إلى خطورة هذا المرض المتفشي في جميع المجتمعات العربية. ولأهمية هذا الموضوع نتناول هنا بعض المفاصل الأكثر أهمية من تلك المحاضرة القيّمة.


يقول عالمنا الكبير، مستعيناً ببيانات من رسالة دكتوراه لإحدى الطبيبات المصريات في جامعة عين شمس، شملت بحثاً ميدانياً على طالبات الثانوية في مدينة القاهرة، إن ما يعادل 18,5% من أولئك الطالبات (فئة العمر 15-18 سنة) قمن بتجربة المخدرات للمرة الأولى، وربع هذا المعدل يستمر تعاطيهن لهذه المادة بشكل متقطع، لتصل إحداهن لحالة الإدمان. والسؤال المطروح هنا هو كيف وصلت المخدرات إلى أولئك الفتيات، رغم إنهن يعشن في مجتمعات محافظة ملتزمة بالتقاليد والسلوكيات الإسلامية، مما يوصلنا إلى إن هناك مشكلة كبرى في المجتمع تستدعي الدراسة والعلاج.
الحالة الأخرى، جاءت من بيانات إدارة المرور في مصر، وتقول:
هناك 6000 قتيل سنوياً في الشارع المصري بسبب حوادث المرور، معظمهم من القاهرة، وما يعادل 4000 حالة منهم شباب وفي أجسادهم آثار المخدرات...
وهناك ما يعادل 30000 إصابة بالعاهات المستديمة في تلك الحوادث المرورية كل عام، بسبب المخدرات، وأعداد متزايدة من القتلى سنوياً في صفوف رجال مكافحة المخدرات.
الإحصائيات تشير إلى ما يعادل 17 مليار جنيه مصري يصرف على المخدرات سنوياً، وهذا المبلغ يدخل في خزينة عدد محدود جداً من تجار المخدرات المتحصنين بمختلف الدفاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تمنع الوصول إليهم وإختراقهم. ولمعرفة مدى ربحية هذه التجارة يقول المحاضر، إن تكلفة زراعة فدان واحد بنبات البنجو في منطقة سيناء (الجزء المحتل سابقاً) تصل إلى 7000 جنية مصري، وبعد عبور هذه المادة قناة السويس إلى الضفة الأخرى يصل سعرها إلى 300000 جنيه، ويرتفع السعر إلى 1000000 (مليون) جنيه عند وصولها إلى المتعاطين، وهم شبابنا بمختلف فئاته العمرية الصغيرة... فإذا كان هذا سعر فدان واحد من البنجو فتخيلوا أرباح المساحات الشاسعة المزروعة بهذه المادة.
وهنا يذكرنا الدكتور بإن الفئات العمرية المتعاطية للمخدرات وصلت إلى أطفال المدارس الإعدادية (11-13 سنة)، وإن إدارة مكافحة المخدرات لا مفعول لها في أي دولة عربية، إذ في كل حملة أمنية يتم مصادرة ما بين 10-20% فقط من المواد المهرّبة، ويتم توزيع ما يعادل 80% من تلك الشحنات داخل أوطاننا بسهولة ويسر شديدين.
ولكي نعطي الإدمان مفهومه الصحيح الذي يقودنا للحل الصحيح للمشكلة، يؤكد محاضرنا بإن الإدمان يعد مرضاً وليس إجراماً... وكما لأي مرض أسبابه فأسباب هذا المرض إجتماعية ولكنه ينتهي بأعراض عضوية تتمثل في تلف خلايا المخ. ويركّز الدكتور بإن هذا المرض لا شفاء منه أبداً، وما يقوم به الطبيب أو المؤسسة الصحية يدعى معافاة وليس الشفاء، لإنه مرض إنتكاسي وارتجاعي، والمعافاة تتم فقط بمباعدة فترات الإنتكاسة قدر الإمكان.
لذلك يرى عالمنا الكبير إن الحل الوحيد للقضاء على هذه الآفة هو الوقاية ، والوقاية لكي تصبح فاعلة يجب أن تكون قائمة على الثالوث المقدس في المجتمع وهو ثالوث الأم، والأب، والمُعَلّم أو المعلمة، إضافة إلى دور الحكومات... وإلا فإننا سوف نكون أمة في خبر كان...
وهذا ما سوف نتناوله غداً...