فليسجل التاريخ هذه الإعترافات

في سياق إعترافات البيت الأبيض والداوننغ ستريت بكذب جميع إدعاءاتهما لتبرير غزوهم للعراق وإحتلاله، بعث جود وانيسكي، أستاذ الاقتصاد السياسي الامريكي، ورئيس تحرير سابق لصحيفة وول ستريت (wanniski.com-23/6/2004) بخطاب إلى جون أشكروفت، المدعي العام الأمريكي، يسأله عن أسباب استمرار إعتقال الرئيس صدام حسين طالما كان بريئا من كل التهم... وهنا متطفات من ذلك الخطاب:
"... اتساءل الآن لماذا نعتقله أساسا؟!... اذا فكرت في الموضوع، فقبل 18 شهرا كان صدام حسين يجلس في مكتبه رئيسا شرعيا ورئيس وزراء للعراق وهو مشغول بأمور بلده الخاصة، لم يكن للولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع العراق ولهذا لم تكن تعترف رسميا به رئيسا للبلاد... ولكن بقية العالم كانوا يعترفون به وكان للعراق مقعد في الامم المتحدة وربما كان سيحتل حسب الدورة الروتينية مقعدا في مجلس الأمن. كان ذلك عندما قرر الرئيس بوش أن صدام لديه اسلحة دمار شامل ويتآمر مع القاعدة لتهديد الشعوب المحبة للسلام مثل الولايات المتحدة، وأخذ إتهاماته الى مجلس الأمن الذي صوت بالإجماع على مطالبة صدام بالسماح للمفتشين بالعودة إلى العراق للتفتيش عن الأسلحة. إذا تتبعت إجراءات الأمم المتحدة خلال الأشهر التي تلت ستجد أن بغداد إستجابت لكل المطالب التي أمر بها مجلس الامن...

وحتى إذا فاتتك التغطية التلفزيونية، وإذا قرأت الأوراق بعناية فلن تجد مثالا واحدا على تحدي صدام لمجلس الأمن... فهو عندما قرأ تصريحات الرئيس بوش ونائبه ووزير الخارجية تدعي إنه مازال يخفي أشياء عن المفتشين وإن مخابراتنا المركزية تعلم بها، دعا المخابرات المركزية للقدوم إلى العراق وتفتيش كل زاوية ومخبأ... هل تذكر ذلك؟ وعندما أعطت المخابرات المركزية معلومات إلى المفتشين حول أماكن يفترض أن يوجد فيها اسلحة دمار شامل، ذهب إليها المفتشون ولكنهم لم يجدوا شيئا حتى ولا أثر صغير من الأدلة. ولذلك عندما طلب الرئيس بوش من مجلس الأمن قرارا يدعم الحرب على العراق، أجابه مجلس الأمن بالرفض وأشار الأعضاء إلى أن دبلوماسية الأمم المتحدة أتت مفعولها وإن المفتشين يستطيعون تنظيف المكان كله من الأسلحة في خلال أشهر قليلة ويقدمون شهادة بخلو العراق منها.
ولكن الرئيس بوش حصل على تخويل من الكونغرس بشن الحرب على العراق... وتحرك جنرالاته وجنوده نحو العراق من الكويت... وقد عارض بعض أعضاء الكونغرس ولكن ماذا كان يمكنهم أن يفعلوا سوى الجلوس وانتظار أن تقهر قواتنا الجيش العراقي ثم تعثر على أسلحة الدمار الشامل؟...
وكما نعرف الآن فقد كان صدام حسين يقول الحقيقة... لم يكن لديه أسلحة دمار شامل... ثم إن الإدارة، التي تعمل أنت فيها مسؤولا قانونيا رئيسيا، أصرت على أن الحرب مبررة بسبب إرتباطات صدام حسين بالقاعدة... ونحن لا نحتاج إلى قرار من مجلس الأمن إذا كنا نرى تهديداً خطيرا من حكومة ما في مكان ما قد تطور اسلحة دمار شامل ثم تسربها إلى القاعدة التي بدورها سوف تتسلل بها إلى الولايات المتحدة حيث تحدث دمارا كارثيا، ولكننا الآن نجد إن صدام حسين كان يقول الحقيقة تماما فليس له ارتباط بالقاعدة أو أسامة بن لادن... ومن الواضح إن وكالاتنا الإستخباراتية تعرف كل ذلك كما إكتشفت (لجنة التحقيق في 11/9) بأن الإدارة الأمريكية إختارت أن تصدق عكس ذلك. واستمرت الحرب وأنهيت المهمة على الأقل في المرحلة العسكرية الرسمية، وقدر عدد ضحايا العسكريين العراقيين في القتال بحدود 60 ألف وقدر عدد الضحايا المدنيين من 16 ألف إلى 35 ألف... وقد عثر على صدام حسين وأعتقل ووضع خلف قفل ومفتاح في سجن آمن بفكرة تسليمه فيما بعد الى محكمة دستورية ويحاكم بإعتباره مجرم حرب... وقد قال الرئيس بوش في مناسبات عديدة إن العراق صار أفضل بدونه لأن نظامه كان معروفا باستخدام (غرف التعذيب والاغتصاب) في سجن أبو غريب... والآن نعرف إن الرئيس بوش لم يأمر جنودنا باستخدام تلك الغرف لإغتصاب وتعذيب المحتجزين العراقيين... ويقول إنه لم يصدر أمرا بذلك ونحن نصدقه... ولكني أتساءل إذا ما كان لديك دليلا ماديا على أن صدام أمر الشرطة العراقية بتعذيب واغتصاب السجناء أو إنه مثل السيد بوش سيقول إنه كان رئيسا للحكومة وإنه لو كان يعرف التجاوزات التي يقوم بها الشرطة المحليون لأوقفها؟...
أقول لك الحقيقة يا جون، بمقدار تذكري لم يكن هناك تأكيد على (وحشية) صدام حسين من أي شخص سوى من المنفيين العراقيين المرتبطين بأحمد الجلبي أو الأكراد الذين قاتلوا مع الجانب الإيراني إثناء الحرب الإيرانية العراقية... وهناك أقاويل عديدة وكتب كاملة حول فظائع صدام حسين ولكن مصدرها كلها من نفس أوساط الناس الذين قدموا الينا (أدلة) مزيفة على وجود أسلحة دمار شامل وعلى علاقات النظام العراقي بالقاعدة... أليس ممكنا إن كل ما يمكن ان يكون صدام فعله في تلك السنوات يمكن تبريره بأفعال يقوم بها رأس الدولة لحماية شعبه؟... نعم لقد غزا الكويت عام 1990 ولكن رداً على هذا أقول: كانت تلك حربا يسهل الدفاع عنها باعتبارها ردا على الحرب الاقتصادية التي كان أمير الكويت يشنها ضد العراق... أقول (يسهل الدفاع عنها) مقارنة بالغزو الأمريكي ودمار بنية العراق بتبريرات كاذبة.
ثم إن الرئيس بوش مازال يحمل في نفسه إن صدام حاول اغتيال أبيه في 1993... ولكن إذا بحثت قليلا لوجدت إن هذه فرية أخرى إختلقها المحافظون الجدد... كما إن الرئيس يحمل في ذهنه إن صدام ارتكب مذبحة ضد الاكراد في 1988 وقتل عشرات الألوف منهم بغاز سام أو بالمدافع... وإذا بحثت ايضا في أصل هذه القصة ستجد إنها مصنوعة من نسيج المحافظين الجدد... هذا ليس تخمينا مني يا جون لأني قضيت ساعات لا تعد في هذا الموضوع ولم أترك ثغرة فيه إلا ونبشتها... ما عليك سوى أن تدعو هيومان رايتس ووتش (مراقبة حقوق الانسان) وإسألهم إذا كانوا قد وجدوا قبورا جماعية لعشرات الآلاف من الأكراد وسيقولون لك إنهم مازالوا يبحثون.
علي أن أعترف إنه ليس هناك طريقة سهلة لإدارة بوش لتفسير كيف خدعت من الألف إلى الياء في قضية صدام حسين... ولا أقترح بهذا أن تلتقي بالرئيس بوش وتقول له أن يظهر على شاشة التلفزيون ويقول للشعب الأمريكي إنه ارتكب خطأ كبيراً... أنا أقترح فقط أن تعود إلى كتبك القانونية ولمصلحتك تحاول أن تجد مبررا معقولاً لاعتقال صدام حسين وهو كما يبدو لم برتكب شيئا سيئا... وستكون عندها في وضع أفضل لتقديم المشورة للرئيس بوش في كيفية تفادي الوقوع في مثل هذه الأخطاء الفادحة". (دورية العراق).