أزمـة ثقـة متبـادلة!!

رغم كل ما شهدت ساحة العمل السياسي في البحرين، خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، من أجواء الانفتاح التي رافقت المشروع الإصلاحي، ورغم كل ما قدمه طرفا العملية السياسية، السلطة والمعارضة، من مبادرات لتكييف ذلك الإنفتاح نحو إرساء قواعد جديدة في علاقاتهما، إلا إنه كان ملاحظاً، منذ البداية، إن أجواء أزمة الثقة المتبادلة لم تنفك مستمرة بين أوساط طرفي العملية... كلٍ بإتجاه الآخر.
ودون الدخول في سرد طويل لمظاهر أجواء الإنفتاح، ولا في سرد المبادرات التي قدمها كل طرف للآخر، إلا إننا نرى من الضرورة والأهمية مناقشة تلك الأزمة في الثقة المتصاعدة بين الطرفين لما لها من تأثيرات بالغة في الإستقرار السياسي والاقتصادي الذي ننشده، وخصوصاً بعد ذلك التصعيد الذي بلغ مداه على هامش المؤتمر الذي ناقشت فيه المعارضة قضية الدستور...
مما لا شك فيه إن أزمة الثقة لا يمكن أن تنشأ من فراغ، وإنما تنشأ نتيجة لتراكم الأحداث والازمات مع مرور الزمن...

إلا إننا، وبقراءة متعمقة في الوضع الدولي والإقليمي الذي تشهده منطقتنا، وفي تلك الأشكال والصور المختلفة من المعارضات والقوى السياسية التي أفرزها هذا الوضع الإقليمي والدولي خلال الربع الأخير من القرن الماضي، وبقراءة في سياسات أنظمة المنطقة التي بدأت مع مرحلة ما بعد الإستقلال من الإستعمار القديم، والتي اعتمدت القضاء على جميع أنواع الثقافة السياسية الملتزمة بالمبادئ والمصالح الوطنية والقومية العليا، والتي كان من مصلحة أطراف مختلفة العمل على إحلال الثقافة الإستهلاكية والمذهبية والعشائرية محلها... بقراءة متعمقة في كل تلك الأوضاع، يمكننا الإستنتاج إن المبادرة الإصلاحية، التي بدأت منذ ثلاث سنوات، لم تستطع أن تكسر واقع أزمة الثقة التي أنشأتها تلك الظروف التي حلت في المنطقة خلال العقود الماضية، والتي ترسخت في العمق الثقافي والسياسي لأطراف اللعبة السياسية (السلطة والمعارضة) ... مع ملاحظة إن هناك أطراف خارجية مختلفة لها مصالح متعددة في إستمرار أزمة الثقة هذه، لما يمكن أن يكون لها من دور فاعل في إضعاف المجتمع وإلهائه في قضاياه الداخلية بشكل مستمر وطويل الأمد، علماً بإن هذا الإستنتاج كان جلياً وواضحاً منذ وقت مبكر، وما هذا التصعيد المستمر في الخلافات والإختلافات السياسية إلا نتيجة طبيعة لتلك الأزمة في الثقة التي تمنع اصحابها، مكرهين موضوعياً، عن إعادة تأهيل أنفسهم وتكييفها مع المستجدات الموضوعية بالانفتاح على الآخر وإرساء قواعد جديدة في علاقاتهم بمستوياتها المختلفة، السـياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
هذا ما يرجعنا للتذكير بإن عملية التحول الديمقراطي بحاجة قصوى لخلق تلك الحالة من الذهنية الديمقراطية، وبدرجات متفاوتة، مما يمكن أن تُكسِبْ جميع أفراد المجتمع ومؤسساته المختلفة، المرونة لإعادة وتكييف وتأهيل ذواتها في عملية تصاعدية، بهدف الإرتفاع بالمجتمع بشكل جماعي إلى أعلى عتبات السلّم الديمقراطي، حتى لو استمرت هذه العملية عقود من الزمن... إلا إن هذه الحالة الذهنية لا يمكن أن تتحقق ما لم تتمكن، القوى المعنية في هذه المعادلة، من إزاحة أزمة الثقة المترسخة في الأذهان، وإحلال الثقة مكانها لتنشأ الأفعال وردودها على قاعدة من النوايا الحسنة عوضاً من قاعدة التربص والتهديد والرجوع إلى الخلف.
فيا ترى هل نحن متجهين نحو التحول الديمقراطي على أسس متينة وواعدة وواعية... أم إننا سوف نقف طويلاً مراوحين في أماكننا، غير قادرين على إنتزاع أزمة الثقة المتغلغلة عميقاً في حياتنا السياسية، وبين المعارضة والسلطة، علماً بإننا دون تجاوز هذه الأزمة ومعالجة أسبابها بروح التسامح وأولوية المصلحة العليا للوطن والشعب لا يمكن أن نحلم بمستقبل للحياة السياسية تسود فيها لغة الحوار وتتشبع بروح قبول الآخر وبشرعية وجود معارضة سياسية تنبذ العنف وتخوض صراعات سلمية تنمي روح المنافسة الشريفة والسعي نحو الأفضل وتشارك بقسطها في عملية الانفتاح الديمقراطي وفي التصدي لمهام البناء والتنمية ومواجهة ما يعترض الوطن من تحديات ومخاطر.


كلمات دالة: