ثقافة وطنية جديدة... الإحتلال سبيل الخلاص

ضمن سلسلة الدعوات واللقاءات التي تبحث عنها السفارة الأمريكية في البحرين، كان ذلك اللقاء الأخير للسيد روبرت فورد، نائب السفير الأمريكي، في منزله، مع مجموعة صغيرة من الكتاب والصحفيين البحرينيين، الذين توزعت هوياتهم ما بين اليمين واليسار ومن أعطى نفسه، أثناء الحوار، نصف هوية عربية ونصف غربية، حسبما إدعوا تمثيلهم "للجيل الجديد الذي يحمل نصف عقلية عربية ونصف غربية"، حيث كنت بين المدعوين.
إن أشد ما يُحزن في تلك اللقاءات، أن تسمع حضوراً من مثقفينا يقدّم التنازلات الوطنية كما يطالب بالإحتلال أو التواجد الإمريكي على كامل الأرض العربية بدعوى ديكتاتورية الأنظمة في منطقتنا، لأن هذا الإحتلال والتواجد سوف يكون بمثابة الحارس الأمين على تحقيق الديمقراطية وحل الأزمات السياسية في المنطقة... هكذا بكل بساطة، وبكل سذاجة سياسية... يمحوا، (مثقفينا؟!) من الجيل الجديد واليسار القديم، أكثر من نصف قرن من الممارسات الأمريكية في ضرب الديمقراطية في منطقتنا وفي العالم أجمع... تلك الممارسات التي لا زالت مستمرة في صناعة هذه الأنظمة الدكتاتورية، ودعمها، ما دامت لا تقول كلمة رفض واحدة لهذا التواجد (الإحتلال) الذي يسلب الأمة ثرواتها وتنمياتها وتراثها وكرامتها الوطنية.


وأشد ما يُحزن أيضاً، أن تسمع أحد كُتّابَنَا وإعلاميينا وهو يهمُس في إذن ممثل السلطة الإمريكية بعدم الإنسحاب من العراق لأن ذلك سوف يسبب حرباً أهلية لا أول لها ولا آخر... هكذا... ببساطة شديدة أعطى نفسه الحق بهذا التصريح وكأنه من أكبر علماء الإجتماع العارفين بالمجتمع العراقي وأكثرهم علماً بتاريخ وديموغرافية العراق... متجاهلاً دور المقاومة العراقية الجَبّارة التي هي اليوم محط أنظار كل العالم لما سوف يكون لها من تأثيرات في موازين السـياسة الدولية... ومتجاهلاً دور الأمم المتحدة في هذه القضية... ذلك الدور الذي قال عنه روبرت فورد، في رده على سـؤالي "نحن ألغينا دور الأمم المتحدة"...
يقول روبرت فورد "نحن نريد تسليم السلطة في العراق للعراقيين لأننا نريد التخلص من (وجع الرأس) هذا... لقد كلفنا تواجدنا هناك الكثير... ولكن لا يوجد في العراق قانون للإنتخابات وقضايا أخرى كثيرة مطلوبة لتلك الإنتخابات"... وكأن العراق هو أحدى جزر الواق واق، بدون أنظمة ولا قوانين... بدون حضارة أو مدنية... رغم إن العراق كان يتمتع ببرلمانات منتخبة منذ الثلاثينات من القرن الماضي... وعند سؤالي عن تلك القوانين العراقية القديمة، كان جوابه "لا أعلم شيئاً بخصوص تلك القوانين"... ولكن جواب أخواني البحرينيين كان نجدة كبيرة لحيرة نائب السفير، حيث جاء الرد بإقصائهم لكل تلك القوانين العراقية بحجة إنها قوانين غير ديمقراطية... وعند سؤال سعادة نائب السفير، حول هل يمكن أن يكون هناك ديمقراطية في ظل الإحتلال في أية بقعة من العالم، أو في أي عصر من عصور التاريخ، كان جوابه السكوت...
هكذا كان موقف (مثقفينا؟؟) من اليسار البحريني في الدفاع عن الإحتلال الإمريكي للعراق أكثر استبسالاً من الدفاع الأمريكي... حيث تحولوا إلى أمريكان أكثر من نائب السفير الإمريكي... وإمريكان أكثر من ملايين الأمريكيين الذين يجولون بالتظاهرات في جميع الولايات الأمريكية ضد هذه الحرب غير الإنسانية، وضد هذا الإحتلال غير الحضاري، وضد سياسات الولايات المتحدة التي تخلق لهم كل يوم آلاف الأعداء في جميع أنحاء العالم... هذه هي الثقافة الوطنية الجديدة التي تعتمد عليها الإدارة الإمريكية في وضع استراتيجياتها للقرن الأمريكي الجديد... وهذا هو الإعلام الجديد، وهؤلاء هم الإعلاميين الجدد المسنودين بواسطة الإدارة الإمريكية لنشر مفاهيم جديدة للكرامة الوطنية والإنسانية في قبول جحافل الإحتلال.
ولكن... السؤال الذي كان يراودني في ذلك اللقاء، ولا زال، هو، لماذا لا يقدّم هؤلاء ولائهم الكامل لحكوماتهم بدلاً من الأجنبي... فالكلام عن الدكتاتورية أصبح فضفاضاً... وتلك الديكتاتوريات العربية الصغرى لهي صنيعة الديكتاتورية الأمريكية الكبرى... فلماذا لا يقدمون الولاء للدكتاتوريات الصغرى... لحكوماتهم... أليـس بالإمكان أن يحقق ذلك نصراً وطنياً لا يمكن، بأي حـال من الأحوال، تحقيقه في ظل الإحتـلال والتواجد الأجنبي... ولا في ظل الولاء للأجنبي... أم إن هذه الولاءات تنحصر في مواقف شخصية بهدف الحصول على مكاسب وإمتيازات من أي طرف يمكن تسلقه، وأي طرف يدفع أكثر؟؟؟...


كلمات دالة: