البحرين... ومشكلة عدم وضوح الرؤية

فاجأتنا الصحف البحرينية، منذ أسابيع، بنشر قرار لمحكمة الإستئناف العليا الشرعية (الدائرة السنية)، يلزم كل بحريني ينوي الزواج من زوجة ثانية على زوجته أن يحصل على إذن من المحكمة، دون أن يرفق هذا القرار، الحضاري والمتميّز، بأية تفصيليات خاصة تشير إلى سبل وإجراءات تطبيقه في المحاكم... مما يجعل في النفس مخاوف وشكوك من أن يكون ذلك القرار، بالإسلوب المبتسر وغير الشفاف، الذي أعلن به، ما هو إلا بالون إختبار لتحقيق أغراض معينة... وفي أحسن الأحوال، يمكن أن يقال، إن الغرض الأول لإسلوب هذا الخبر، هو التعرف على درجة قبول المجتمع لهذا النوع من القرارات، إن لم يكن بقصد تحقيق أغراض أخرى.


إلا إنه يجب الإعتراف بإن هذا القرار المفاجئ، والذي تأخر صدوره طويلاً، والذي لازلنا لم نطّلِع على حيثياته، والذي يحدونا الأمل في أن تكون حيثياته ومعاييره وشروطه بمستوى خطوطه العريضة، لتحقيق العدالة الكاملة والفوائد المرجوة من تطبيقاته... هذا القرار من شأنه أن يدفع البحرين إلى الأمام في سباقها مع الزمن للدخول إلى عصر الحداثة وحقوق الإنسان والإنضمام إلى قائمة الدول الحضارية، كما من شأنه أن ينقل البحرين إلى الخطوط الأمامية على طريق العصرنة من خلال أكثر البوابات خصوصية وإلحاحاً في قضايا وحقوق المرأة...
ولكن، ولأننا نعيش في عصر التناقضات، فلم يطل الوقت إلا أيام قليلة حتى فاجأتنا الصحف ذاتها، بقرار مفاجئ آخر، يناقض القرار السابق في أوجه متعددة... ولا يقل في وقعه المفاجئ عن القرار السابق رغم تناقضهما... وهو قرار وزارة الداخلية حول إنشاء تشكيلات جديدة من الشرطة، تحت مسمى شرطة المجتمع، بمعدل مائة شرطي (مجتمعي) في كل محافظة ومن إبنائها... وأيضاً جاء هذا القرار مبتسراً وغير شفافاً، إذ لم يعلن عن مضمونه الحقيقي.
وحيث إنه لم يعلن رسمياً، حتى الآن، أي توضيح حول ماهية دور هذه الفئة الجديدة من الشرطة، إلا إن الإسم يعطي دلالة حول دور إجتماعي في مجال تقويم ممارسات المجتمع السلوكية والأخلاقية، وفي المحصلة نوع من فرض الرقابة على صميم الحرية الشخصية للمواطنين... أي إنه المسمى الجديد لـ "جماعات النهي عن المنكر" المعروفة بممارساتها المتطرفة، ولنا في بعض الدول الخليجية خير عبرة...
يا ترى، هل الشعب البحريني، المعروف باسبقيته في التطور الإجتماعي والفكري والممتد إلى بدايات القرن الماضي، بحاجة اليوم لمن يمسك بيده ويرشده إلى "المعروف" وينهيه عن "المنكر"... فإذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نعرف، هل يعد هذا القرار الصادر من وزارة الداخلية، بمثابة إعتراف بفشل مؤسساتنا التعليمية وسياساتها في خلق أجيال قادرة على التمييز بين "المنكر والمعروف"؟ وبذلك تسلّم دورها إلى مؤسسات وزارة الداخلية... أم هو إعتراف بفشل مؤسسة العائلة البحرينية في القيام بدورها التربوي المقدّس بتربية إبنائها على الحد الأدنى من السلوك القويم؟ ليتحول هذا الدور إلى مؤسسات وزارة الداخلية... أم هو إعتراف بفشل مؤسساتنا الإعلامية في أداء دورها الثقافي والتربوي المطلوب؟ لتقوم مؤسسات وزارة الداخلية بهذا الدور... هذه نماذج من عشرات الأسئلة التي يجب أن تواجهها الدولة، ممثلة في وزارة الداخلية، قبل أن تفرض على المجتمع ذلك القرار المفاجئ الذي سوف ينقل البحرين إلى عصور غابرة، لم نعشها، ولسنا بحاجة لأن نعيشها في القرن الواحد والعشرين... ذلك القرار الذي لم يسعفنا ذكائنا، حتى الآن، لمعرفة جدواه وأهدافه الحقيقية...
أما إذا كان هناك إعتراف بهذا الكم من الفشل على كل هذه المستويات في مجتمعنا البحريني البسيط (وهذا غير صحيح)، فإنه من المؤكد أن الشرطي ذو التعليم البسيط لن يتمكن، تحت أي مسمى وظيفي، من تحقيق ما فشلت في تحقيقه كل هذه المؤسسات التعليمية والعائلية والإعلامية... ومن الأجدى البحث عن سبل أكثر نجاعة لتحقيق أهداف هذا المجتمع... إلا إذا كان هناك أهداف أخرى وراء صدور ذلك القرار الشاذ.


كلمات دالة: