مناهضة الإمبريالية في العالم

مع بدايات تحضير الولايات المتحدة لحربها الآثمة ضد العراق واحتلاله بعد غزوها لأفغانستان، وما تمثله الحربان من إعلان عن دخول العالم في مرحلة متقدمة من مراحل الإمبريالية المتوحشة بقيادة الآليات العسكرية والاقتصادية للإمبراطورية الاستعمارية الأمريكية التي يراد أن تبقى شمسها مشرقة إلى "نهاية التاريخ"... مع تلك البدايات بدأت شعوب العالم تنشط في البحث عن كافة السبل لمواجهة وردع تلك القوة الأمريكية الطاغية من أن تسترسل في طغيانها... وبدأت تتشكل الجماعات المعارضة للسياسات الأمريكية التي دخلت مرحلة العنف والحروب لتحقيق مصالحها واستراتيجياتها الإمبريالية المخالفة لجميع قيم ومفاهيم العدالة والإنسانية في ظل اختلال موازين القوى الدولية بعد سقوط القطب الشيوعي وانتفاء التهديد النووي... وانتشرت المظاهرات الملايينية في مختلف بقاع العالم للإعراب عن السخط العالمي على الإرهاب الأمريكي ومنع الحرب المدمرة ضد العراق التي تعد سابقة خطيرة تهدد سيادة جميع دول العالم دون استثناء... وانتشرت ظاهرة ضرب مصالح الولايات المتحدة والدول الإمبريالية الحليفة لها في مواقع متعددة كتعبير صريح عن استعمال القوة مقابل القوة... كما انتشرت ظاهرة التكتلات والتجمعات الجماهيرية المناهضة للإمبريالية في مختلف قارات العالم، لترتيب خطوط المواجهة والتحريض وفضح سياسات الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هذه التجمعات برزت فكرة المعسكرات المناهضة للإمبريالية التي تقام بالتتالي على مدار العام في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية منذ ما بعد احتلال العراق مباشرة...

إلا أن أهم ما يميّز كل هذه المظاهر الجديدة في الصراع بين شعوب العالم قاطبة وبين القوة الأمريكية المدمرة، هو إن هذه التشكيلات المناهضة للإمبريالية، والتي تتسع بشكل مطرد وبالغ السرعة، أصبحت توحد وتجمع بين مختلف القوى السياسية والفكرية التي كانت متفرقة في عصر الحرب الباردة، فاتفق اليساري والإسلامي والماركسي والقومي حول هدف مقاومة الإمبريالية، واجتمع السياسي ورجل الدين والمثقف والمفكر والأكاديمي والشباب والشيوخ والنساء والرجال لمواجهة المد الإمبريالي في مرحلته الوحشية التي تعاني منها شعوب العالم أجمع.
من بين هذه التشكيلات والتجمعات العالمية، وهناك في إيطاليا، وعلى بعد 300 كيلومتر غربي روما، وفي وسط الطبيعة الجبلية لمدينة أزيسي الدينية والتاريخية، بدأ "معسكر مناهضة الإمبريالية ومساندة المقاومة العراقية" بالانعقاد لمدة أسبوع في صيف 2003، ليعود ويعقد في دورته الثانية في صيف هذا العام (1-7 أغسطس 2004)، حيث حضرته مدعوة للمشاركة في نشاطاته والتعرف على مواقف الشعوب المتحمسة لقضايانا المصيرية في فلسطين والعراق لما تمثله هذه القضايا من تجسيد واضح وصريح للمرحلة الإمبريالية والاستعمارية الجديدة التي ألغت كل المواثيق والشرعية الدولية، وألغت كل اعتبار لإرادة الشعوب وحقوق الإنسان والسيادة الوطنية، في مقابل تحقيق المصالح الاقتصادية والسياسية للدولة الإمبريالية العظمى.
في هذا المعسكر الأوروبي المناهض للإمبريالية في إيطاليا، اجتمع اكثر من مائتي شاب وشابة من مختلف الدول الأوروبية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية مع أفراد من مختلف القوى السياسية والشخصيات الأكاديمية والفكرية والقانونية الأوروبية بجانب ممثلين عن بعض القوى السياسية العراقية والعربية ومفكرين إسلاميين وعدد من الإعلاميين. وعلى مدار ستة أيام متواصلة عقدت العشرات من اللقاءات الحوارية والندوات والمناقشات في حركة مكوكية تبدأ منذ الصباح لتنتهي في المساء، تبدأ اللقاءات الاجتماعية ومناقشات لا تنقطع.
في هذا المعسكر الأوروبي الذي رفع العلم العراقي والعلم الفلسطيني والشعارات المناهضة للإمبريالية في كل أرجائه، يعقد سنوياً أكبر تظاهرة فكرية وسياسية مساندة للمقاومة العراقية، ليساهم في تقديم الدعم الجماهيري والمعنوي والفكري لهذه المقاومة في مواجهاتها اليومية ضد الاحتلال الأمريكي، تلك المواجهات التي أثبتت للعالم إن بغداد لم تسقط، وإن حرب العراق ضد الإمبريالية لم تنتهي بعد، وإن هذه الحرب ستطول وتتسع ولن تحقق الإدارة الأمريكية أهدافها في العراق، ولن تستطيع تحقيق استراتيجياتها الاستعمارية الأخرى في العالم... وإن هذه المقاومة الشديدة البأس التي تمكنت، وفي فترة قياسية، من تحطيم هيبة القوة الأمريكية في الشوارع والأحياء والأزقة والسماء العراقية، أجبرتها أيضاً على تجميد استراتيجياتها التوسعية التي أعلنت عنها في مختلف المحافل قبل شن حربها العدوانية على العراق... هذه المقاومة العراقية، التي تؤمن إن طريق تحرير القدس يمر عبر بوابة العراق الحر، هي اليوم محط آمال وأنظار شعوب العالم، في كفاحها لتغيير النظام الدولي الذي تتربع القوة الأمريكية الباغية على قمته وتهيمن الإمبريالية على سياساته... هذه المقاومة هي اليوم محط آمال 85% من سكان الأرض الفقراء والمسلوبي الإرادة والسيادة الوطنية، ومن تعمل الإمبريالية على تسخيرهم كعبيد في خدمة 15% من سكان الأرض العاملين في فلك سياساتها الاستعمارية والعدوانية...
وهذا هو البعد العالمي للمقاومة العراقية... وهذا ما تراهن عليه كافة القوى والجماهير المناهضة للإمبريالية المتوحشة في مختلف أنحاء العالم...