العراق بعد تسليم السلطة... السيادة لمن؟

من الواضح إن الإدارة الإمريكية في طريقها لتفعيل قرارها للتخلص من لقب (المحتل) و(الإحتلال) في العراق، قبل بدء العمليات المباشرة للإنتخابات الإمريكية القادمة التي سيخوض فيها الرئيس بوش معركته الإنتخابية للفوز بالدورة الرئاسية الثانية، حيث إن هذا القرار لهو على درجة قصوى من الأهمية لهذه الإدارة الإمريكية مما جعلها في حالة إصرار على تسليم السلطة (وليس السيادة) إلى العراقيين في نهاية شهر يونيو (حزيران) القادم، تحت أي ظرف كان، خارج إطار الإنتخابات الشرعية، مع التأكد من ضمان تسليم هذه السلطة لحكومة من أهم صفاتها أن تكون طيّعة الإنقياد تحت الإمرة والسيادة الإمريكية، وإلا فسوف تضيع، هباءً، تلك التضحيات الكبرى التي قدمتها الإدارة الإمريكية، للإستيلاء على العراق عتاداً وعدة، شعباً وثروة، أرضاً وفضاءً.
يعد التخلّص من صفة المحتل للعراق دعماً مرحلياً لحملة الرئيس بوش الإنتخابية، لما تلاقي هذه السياسة الإمريكية، منذ ما قبل الحرب، من معارضة شعبية واسعة النطاق في الولايات المتحدة، إضافة إلى ما سوف تخلقه (حالة) إنتهاء الإحتلال شعور واسع بالغبطة، لدى الإمريكيين، لرجوع أبنائهم، الذي قد يتم ترتيبه بشكل إحتفالي يتناسب مع عودة الأبطال المنتصرين من حرب مصيرية (وليس حرب إحتلالية، بربرية، وغير إنسانية)...

وما سوف يصاحب ذلك من مظاهر إعلامية لتعظيم المناسبة على أوسع نطاق ممكن لتحقيق الإستفادة القصوى لحملة جورج دبليو بوش الإنتخابية... ومن جانب آخر لإخفاء كل ما تكبدته هذه القوات من خسائر مادية وبشرية ونفسية ومعنوية في مواجهاتها اليومية مع المقاومة العراقية التي وصلت من الحدة إلى مرحلة الإشتباك المباشر ونحر كل من يتم القبض عليه من أفراد قوات الإحتلال في الشوارع والأسواق العراقية (نسبة لما يتداوله المراسلون من أخبار يومية تحاول سلطات الإحتلال ممارسة أقصى درجات التعتيم والسرية التامة إتجاهها).
ولكن كيف سوف يتم تسليم السلطة (وليس السيادة) للعراقيين... وماذا يعني إنتقال السلطة للعراقيين... وما الذي سوف يحققه تسليم السلطة للعراقيين؟... والأهم من ذلك مَن سوف يستلم السلطة أو إلى من سوف تتحول السلطة... وكيف ستدار هذه السلطة؟... الإجابة على هذه الأسئلة يمكن أن تعد محاولة لاستشراف واقع العراق الجديد... في ظل مبادرة "الشرق الأوسط الكبير" التي طرحها الرئيس بوش مؤخراً ضمن سلسلة المبادرات الإمريكية التي تتتالى على المنطقة في ترتيب زمني بموجب جدول أعمال مشروع القرن الإمريكي الجديد... تلك المبادرة التي يشكل العراق فيها محوراً مركزياً ضمن مجموعة الأهداف الإمريكية لتحقيق سيطرة النفوذ السياسي والإقتصادي الإمريكي على كوكب الأرض... والحفاظ على الوضع الدولي أحادي القطب في جانب الصالح الإمريكي إلى أمد غير منظور.
بعد تأكيد عدم شرعية تلك الحرب الأنجلوأمريكية على العراق، من خلال إثبات كذب جميع الإدعاءات والمبررات والذرائع التي استغلت للقيام بها، وبعد تأكيد أكذوبة التحرير وإستيراد الديمقراطية الإمريكية للشعب العراقي، أصبح مؤكداً إن غزو العراق تم (فقط) لتحقيق مصالح إمريكا في العالم بعد إنتهاء الحرب الباردة، مما يثبت صحة مقولة المفكر الفرنسي جيرار شاليان "إن أمريكا هي اليوم أكثر إمبريالية من أي يوم مضى، مشروعها عالمي وتأمل في خلق محيط عالمي يتناسب مع مصالحها".
وهنا يمكن التأكيد إن العراق العائم على بحور من النفط، والقائم في ذلك الموقع الإستراتيجي والمحوري من العالم، ما هو إلا غنيمة إمريكية، وسوف تبقى في قبضة السيطرة الإمريكية، سواء بالإحتلال أو عن طريق أية حكومة يتم تعيينها أو إنتخابها مستقبلاً، بهدف إحكام السيطرة الإمريكية الكاملة إقتصادياً وسياسياً على منطقة "اوراسيا" (اوروبا-آسيا) الممتدة من لشبونة في البرتغال عبر أوروبا والشرق الأوسط وروسيا إلى اليابان في آسيا، التي تمثل 75% من سكان العالم ، وفيها 3/2 الثروة من الإنتاج العالمي للنفط، وبذلك لن تسمح الإمبراطورية الإمريكية بقيام منافس لها، أي قيام قطب جديد ينافسها على قيادتها للعالم.
بعد ذلك هل يمكن أن نخمّن ما هي الحكومة أو الحكومات القادمة في العراق...