السياسة بعيداً عن التفاؤل والتشاؤم

لا يزال الكثير من مثقفينا العرب يحبذون التفكير بعيداً عن التحليل التاريخي للدور الإمريكي في المنطقة وفي العالم، وما يحمله ذلك التاريخ من توقعات لا تستوعبه دائرة الفكر العربي (قصير الأفق)، حيث من خلال كل تلك المؤتمرات التي نحضرها داخل وخارج البحرين، يُسَتَشف إن عدداً غير قليل من هؤلاء المثقفين العرب لا يزال يطرح قصة النصف الممتلئ والنصف الخالي من الكوب عند تصنيف علاقاتنا مع الولايات المتحدة الإمريكية للإبتعاد عن التشاؤم، وكأن تلك القصة أصبحت نظرية يستوجب تطبيقها حتى النهاية وفي جميع القضايا من خلال زاوية الكوب الممتلئ فقط ، لما يحمله النصف الخالي من تشاؤم ليس من شيَم الواقعية والنظرة الإنفتاحية على الحياة.


ولتوسيع واقع أفقنا الفكري، ولفصل العلاقة بين السياسة ونظرية المصالح بالتشاؤم والتفاؤل، أنشر جزء من مقال نُشر في شهر يناير الماضي، بعنوان "الشر الذي لا ينتهي"، في جريدة المستقبل اللبنانية، يلخص فيه الكاتب الرؤية المطروحة في كتاب بعنوان "نهاية الشر: كيف نربح الحرب على الارهاب"، للكاتبين الإمريكيين وليم بيرل ودافيد فروم، وهما كاتبان مقربان من الرئيس الإمريكي بوش وعضوان رئيسيان في فريق عمله وراسمي سياساته، حيث يستعرضان في هذا الكتاب أهم الوسائل التي، في إعتقادهما، سوف تحقق النصر الأكيد في الحرب على (الإرهاب)، وهي كالتالي (كما في نص المقال):
- "فك الارتباط بين السنّة والشيعة في المملكة العربية السعودية وفصل المنطقة الشرقية في عملية تقسيم للمملكة.
- قلب نظام الحكم الاسلامي في إيران.
- استضعاف سوريا بحملها على سحب قواتها من لبنان الأمر الذي يجعل التهديد العسكري الاسرائيلي أشد فاعلية.
- اعتبار الاسلام المتطرّف في حالة حرب مع الولايات المتحدة، واتهامه بالسعي لتدمير الحضارة الغربية، وذلك بحجة أن هذا العدو لا يتألف من مجرّد جماعات معزولة، ولكن هذه الجماعات تتمتع بتأييد وبدعم من مجموعة من الدول الاسلامية "المارقة". ويذكر الكاتبان على سبيل المثال المملكة العربية السعودية. ويندرج تحت عنوان الاسلام المتطرّف في الكتاب، السنّة والشيعة، وكذلك الشيوعيون، والفاشيون في الشرق الأوسط.
- فرض التغييرات الجذرية على المناهج التربوية وعلى القيم الاجتماعية المعتمدة في المجتمعات الاسلامية.
- فك الارتباط بين بريطانيا والمجموعة الأوروبية.
- قطع الطريق أمام المحاولات الفرنسية التي تستهدف تحويل المجموعة الأوروبية إلى قوة منافسة للولايات المتحدة.
- إعادة تنظيم وزارة الخارجية الأميركية وأجهزة المخابرات بتحريرها من العناصر التي لا تؤمن بصوابية وبجدوى هذه السياسة.
- فرض حصار على كوريا الشمالية وتوجيه ضربة وقائية لتدمير مفاعلاتها النووية.
- إعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة بحيث يسمح بالحرب الوقائية ويسهل المهمة التي تقوم بها الولايات المتحدة للقضاء على الشر في العالم".
مع العلم بإن الغالبية العظمى مما ورد أعلاه، لم تعد رؤى، وإنما هي إستراتيجيات قيد التنفيذ بواسطة السياسة الإمريكية في العالم... وتم الكشف عن كل تلك الإستراتيجيات بشفافية إمريكية تامة مع إنطلاقة إشارة البدء في 11 سبتمبر 2001... فهل علينا بعد كل ذلك التمسك بنصف الكوب الممتلئ في إنتظار تنفيذ الجزء الباقي...