الطائفية عمود المخطط التقسيمي القادم

كان عقد الثمانينيات بأكمله خاصاً بانتشار قوى ومنظمات الإسلام السياسي الأصولي والسلفي، السني والشيعي في المنطقة الإسلامية، وحينها تم ترتيب التشكيلات الدينية - الطائفية والمذهبية لفتح جبهات صراع جديدة في المنطقة العربية وخصوصا بعد السقوط المريع للاتحاد السوفييتي مع نهاية ذلك العقد واستفراد القطب الأمريكي بحكم العالم، مما جعل التسعينيات عقداً خاصاً بتثبيت أقدام الطائفيات والمذهبيات، وترتيب مؤسساتها، وتنظيماتها الداخلية والخارجية، سواء في العراق وبين العراقيين في الخارج، أو في لبنان ومصر واليمن وشمال افريقية...


اما المنطقة الأكثر تأثر بهذا التفتيت الطائفي والمذهبي والديمغرافي والأثني، بعد العراق، فهي منطقتنا الخليجية منذ ذلك الوقت، من الكويت شمالا إلى الإمارات جنوبا، حيث عاشت المنطقة خلال الربع قرن الأخير بأحداث مقروءة ومرصودة في أهدافها وأشكالها وأشخاصها، ويمكننا أن نؤكد أن المؤسسات الطائفية التي تأسست خلال الفترة الأخيرة جاءت فمن السباق الدولي والإقليمي لتكريس دعائم التفتين في مجتمعاتنا، وضمن المخطط التقسيمي المرسوم للمنطقة.
حسب المعلن أو المسموح بإعلانه، ضمن التكتيك الإعلامي الأمريكي المعهود، يذكر أقطاب اليمين المحافظ في البيت الأبيض ان هذه المنطقة بحاجة ماسة إلى ترتيب وضعها السياسي والجغرافي بما يتناسب مع لملمة كل منابع النفط على ضفتي الخليج وما بينهما لتصبع تحت السيطرة الأمريكية المباشرة . . وإذا تابعنا أحداث المنطقة وما يحاك بمجتمعاتها من أزمات متتالية تم خلالها تجييش بعض الطوائف وإخراجها من حالة السكون والاعتراض السلمي إلى حالة العسكرة والتجييش والعنف السياسي ضمن برنامج زمني محكم ومدروس، يمكننا بذلك رد الوسائل التي يعتمدها المخطط الأمريكي لإعادة صياغة المنطقة . . . وما يحدث في العراق من تقسيم طائفي وأثني بهدف إضعاف السلطة المركزية القوية ما هو إلا شاهد حي أمامنا . . . وشاهد على أن هذا الدور الطائفي كان معداً سلفا وهو نفس الدور المعد للمؤسسات الطائفية في الخليج، كما هو شاهد حي على أن ما حصدناه من طائفية بغيضة في مجتمعاتنا الخليجية خلال المرحلة الماضية لم يكن نبتاً شيطانية ظهر دون رعاية وحماية ومراقبة.
في العراق بدأ الفصل الرئيسي وسوف تتبعه فصول لاتزال تتفاعل أحداثها بين ظهرانينا سواء في البحرين، أو في المنطقة الشرقية في السعودية والكويت والإمارات وغيرها (وهنا بيت القصيد)، تفاعلات نعيشها كل يوم تشير إلى ما هو مرسوم لهذه المنطقة من مستقبل مظلم في الأجندة الأمريكية . . . ولكن وللأسف الشديد، لم نلاحظ حتى الآن أية مؤشرات لاستنفارهم حكومات المنطقة ونخبها المثقفة وأبنائها الشرفاء . . . فالطائفية عمود المخطط التقسيمي القادم، بحسب ما جاء في بعض نصوص مشروع الشرق الأوسط الجديد، الداعمة لحق الطوائف والأقليات في هذه المناطق في أن تعبر عن رأيها بصراحة، باستفتاءات ديمقراطية حرة بإشراف الأمم المتحدة، واشتراك بعض القوى الدولية، حول ما إذا كانت تريد الاستمرار في الاندماج في دولها، أم يكون لها نوع من الاستقلال الذاتي في داخل هذه الدول . . . كما تؤكد اهمية الاعتراف الكامل بحقوق الأقليات والطوائف كما للأغلبية (أي بمعني فصل كامل بين الشعب الواحد)، بالإضافة إلى حقوق حرية العقيدة، وممارسة الشعائر الدينية، أو طقوس حياتهم اليومية بحسب مفاهيمهم وأفكارهم . . . فالسيطرة الأمريكية على منابع النفط سوف تقوم على تقسيم الخليج وشبه الجزيرة العربية إلى دويلات النفط الطائفية، كما المحاولات الجارية في العراق .
نرى هل سنستخف بمثل هذا المخطط ونعتبر أن ما جرى حتى الآن هو الهدف النهائي للمستعمر ومن له أطماع تاريخية في بلداننا؟ أم أن هنالك ما هو أكبر من تلك . . فإذا كنا قد اقتنعنا بأن الهدف النهائي قد تحقق لهم حتى الآن، بالتأكيد نحن واقعون في خطأ خطير يهدد مستقبلنا ووجودنا... وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك على ما يبدو، عندها نكون قد ارتكبنا أخطاء تاريخية وقعت به دول أوروبا حين لم تنتبه لخطر المانيا على القارة كلها . . . وفي ذلك درس يجب التذكير به.