قريباً منهم، بعيداً عنهم... المقاومة في العراق (10)- النشأة والبناء الهيكلي

أكدت ثمانية فصائل من المقاومة العراقية، مؤخراً، إنها ستعلن قريباً عن الشكل النهائي لتشكيل مكتب سياسي واحد يمثل جناحها السياسي الذي سيتولى إدارة أي مفاوضات محتملة مع الاحتلال الأمريكي أو أي أطراف أخرى، وإن هذا المكتب سيبدأ المرحلة الأولى من نشاطه في السرية، وسيتفاوض مع أي جهة عبر وسائل الاتصالات الحديثة مثل الإنترنت وليس مباشرة... وهي الوسيلة التي استخدمتها المقاومة العراقية في التفاوض مع الحكومة الفرنسية حول الصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينو خلال فترة احتجازهما كرهينتين وحتى تسليمهما بيد قوات الأمن والكوماندوز الفرنسية في بغداد، أي في الفترة من أغسطس إلى ديسمبر 2004... وهي الوسيلة التي تُوَصّل صوت المقاومة إلى العالم من خلال بياناتها والصور الموثقة لعملياتها المنتشرة على كافة الأرض العراقية، كما تتبادل من خلالها الرسائل مع أصدقائها من الكتاب والإعلاميين.
وفي نفس الوقت أكدت هذه الفصائل انتهائها من تبني اتفاق مبادئ في مشروع سياسي موحد يكون مرشداً لمكتبهم السياسي، ينص في مقدمة أولوياته، على انسحاب قوات الاحتلال من العراق وإعادة بناء الجيش العراقي ومؤسسات الدولة على أسس سليمة وغير طائفية.
وجاء الإعلان عن اشتراك فصائل المقاومة في كيان سياسي واحد، ليعبّر عن نقلة نوعية جديدة في عملها، وليؤكد حقيقة وجود اتصالات، بهدف التفاوض، بين المحتلين وبينها، في إشارة واضحة إلى عمق أزمة الاحتلال في العراق من جهة، وإلى مدى قوة المقاومة ونجاح استراتيجياتها من جهة أخرى.
أما الفصائل الثمانية المشتركة في هذا المكتب السياسي فهي أقوى فصائل المقاومة العراقية، وأكثرها بروزاً وقرباً من الشارع العراقي، وهي التي تشكّل الهيكل الأساسي للمقاومة في العراق منذ بدء عملياتها في اليوم الثاني من الاحتلال. وقد تم بناء هذه الفصائل في هيكل عمودي مركّب، وفي خطوط متشابكة ومعقّدة، مما يصعب كشفها رغم إن خيوطها تلتقي بيد قيادة واحدة.
تم وضع اللبنة الأولى في بناء هيكل المقاومة بواسطة المخابرات العراقية، لتتشكّل أساساً من كبار الضباط العسكريين في الجيش العراقي والتصنيع الحربي والمخابرات العراقية... لذلك جاءت بداياتها قوية لأنها ملكت أولاً: الكفاءة العسكرية الكاملة في التخطيط والقتال، وثانياً: الكفاءة العلمية والتقنية الكاملة في تطوير الذخائر والأسلحة، وثالثاً: الكفاءة المخابراتية القوية والمحترفة في جمع المعلومات وتصنيفها واستخدامها، وهذه الكفاءات هي الأعمدة التي تقف عليها هذه المقاومة بكل صلابة في معركتها ضد الاحتلال وحلفائه.
ويمكن تعريف الفصائل الثمانية المذكورين كالتالي:


1- الجيش الإسلامي: يتكون من قادة ضباط الجيش والمخابرات، من أصول عروبية إسلامية، وعددهم يزيد على 15 ألف فرد، حسب توقعات الصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينو، في كتابهما "مذكرات رهائن" الصادر باللغة الفرنسية... وتغطي عملياته كل العراق، ولهم مؤسسات تشبه مؤسسات الدولة كمكتب سياسي ومجلس شورى ودائرة مخابرات ومحكمة، حسب ما ورد في مقابلة مع كريستيان شينو في فضائية الجزيرة.
2- جيش أنصار السنة: مجموعة كبيرة من العراقيين وعدد قليل من المجاهدين العرب، يعملون بشكل منظم، حيث تدَرّب غالبيتهم في أفغانستان قبل عودتهم للجهاد في العراق، ويتبعون نهج القاعدة عملياتياً ويختلفون معهم اجتهاداً، بدون أي علاقة تنظيمية بينهم، ويزيد عددهم عن خمسة آلاف.
3- جيش المجاهدين: مجموعة من العراقيين يزيد عددهم على ثلاثة آلاف شخص، قوميين ناصريين، يدعمون الجماعات الأخرى ويشتركون في عملياتهم، لمحدودية إمكانياتهم.
4- جيش الراشدين: مجموعة صغيرة تمثل تيار إسلامي سلفي وتقاتل بعقيدة الجهاد في سبيل الإسلام والأمة.
5- الحركة الإسلامية: جماعة منشقة من الحزب الإسلامي (الأخوان المسلمين في العراق)، رافضين لسياسات حزبهم المتعاون مع المحتلين، وانضموا إلى المقاومة ضد الاحتلال.
6- مجاهدي العراق: مجموعة تكونت من تنظيمات مختلفة للمشاركة في المقاومة، وتقوم بعمليات كبيرة وواسعة.
7- كتائب ثورة العشرين: مجموعة ذات علاقة بهيئة علماء المسلمين، بدأت انطلاقتها من منطقة أبوغريب، عملياتها محدودة، إمكانياتها المادية كبيرة، وإمكانياتها البشرية صغيرة، إذ يبلغ عددهم في حدود 1500 فرد.
8- المقاومة الإسلامية: مجموعة من السلفيين (الوهابية)، يتراوح عددهم بين 500-1000 شخص، لهم دور كبير في عمليات المقاومة.
وهناك فصائل أخرى تعمل بأسماء مختلفة، في عمليات كبيرة وفاعلة ومستمرة منذ بدء الاحتلال مثل:
1- جيش أنصار الإسلام: مجموعة لها وجود تنظيمي كبير منذ ما قبل الحرب والاحتلال، ولها معسكرات وتواجد كبير في شمال العراق، على الحدود مع إيران، في منطقة حلبجة وسيد صادق واحمد أوه، وهي مناطق جبلية وعرة تمرسوا على القتال فيها، وخاضوا عدة معارك ضد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (جلال الطالباني)، غالبيتهم من أكراد العراق مع عدد قليل من المجاهدين العرب، ويعتقد إن الزرقاوي كان يحارب معهم عند تلقيهم ضربة جوية أمريكية في بداية الحرب، ويعملون تحت قيادة الملا كريكار المعروف بخطابه العقلاني وذكائه وثقافته الواسعة. وامتدت عملياتهم على مناطق شمال العراق حيث نفذوا مؤخراً عمليات واسعة في وسط وجنوب العراق.
2- قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين: وهم يمثلون القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ولهم علاقة بالشيخ أسامة بن لادن وتمتد علاقتهم التنظيمية بالبلدان العربية والإسلامية ويصلهم متطوعين من هذه البلاد، إمكانياتهم المادية كبيرة، وقدراتهم التنظيمية جيدة، ويزيد عددهم على خمسة آلاف مقاتل.
3- الجيش العراقي (جيش محمد): مجموعة من ضباط الجيش العراقي، يمثل تيار حزب البعث.
4- الصوفيين: مجموعات دينية روحية قديمة موجودة في العراق، قريبة من عزت الدوري، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، انتقلت للعمل المسلح لمقاومة الاحتلال.
وإضافة لهذه الفصائل الواضحة المعالم، في المقاومة العراقية، هناك مئات آلاف من العراقيين المتعاونين معهم في العمليات القتالية، كما تعد الأحياء العراقية بزخمها السكاني عمق المقاومة الاستراتيجي للحماية والتمويه والمساعدات اللوجستية... وهناك عشرات القصص التي يمكن روايتها عن هذا التعاون والتعاضد بين أفراد المقاومة والبيوت العراقية، ستضيف إلى ثقافة المقاومة كنزاً أدبياً جديداً.