صناعة السياحة وصناعة التكنولوجيا النووية المسموح والممنوع على العرب

مع التركيز الإعلامي على أخبار "قمة المعلومات" التي احتضنتها الجمهورية التونسية في الفترة 16-19 نوفمبر 2005، نُشر خبر اجتماع الوزير الإسرائيلي، موشيه شالوم، مع وزيري الخارجية والسياحة التونسية على هامش المؤتمر، فجالت بخاطري تساؤلات لابد أن استذكرها الكثيرون في حينها... تساؤلات تقول، هل هذا المؤتمر هو لمناقشة صناعة تكنولوجيا المعلومات أم للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟... وثانياً لماذا الاهتمام بالسياحة بينما المؤتمر يحمل عنوان "قمة تكنولوجيا المعلومات"؟... ألا يدل ذلك على إن الصناعة الوحيدة المسموح بها للعرب هي صناعة السياحة؟... أما تكنولوجيا المعلومات وغيرها من العلوم التكنولوجية فلتترك لأصحابها.
نعم، إن أهم ما يهتم به الغرب لمنطقتنا هو إبقائها بعيداً عن جميع أنواع العلوم التكنولوجية لتظل هذه الأمة رازحة تحت عبء الحاجة القصوى للغرب وما يملكه هذا الغرب من تكنولوجيا تتحكّم في كل وسائل الحياة اليومية، ولتظل في ضعفها الدائم والمستمر بعدم تمكينها من الوصول إلى صناعة السلاح التي صنعت هيبة الدول العظمى... وبات هذا الأمر واضاحاً وضوح الشمس، فلسنا بحاجة لمناقشته، إلا إن ما يجري حولنا كل يوم يرجعنا للتذكير بهذه السياسات التي لم تعد القوى الخارجية تعمل جهداً كبيراً على تكريسها في المنطقة بقدر ما يتم الترويج لها من قبل أبناء المنطقة من خلال تلك الدعوات القاصرة والمستميتة للاهتمام المبالغ به بالسياحة حسب الشروط الغربية "المتحضرة"، كونها المصدر "الأكثر أهمية" لإقتصادياتنا، ولأننا نحن العرب المسلمون (قوم من المتخلفين عن العصر) لا نفهم إن من إصول السياحة الحضارية والمتمدنة "توفر الخمور والدعارة في كل زقاق"، فإذا تقرر منع تناول الكحول في الأماكن العامة لمدة يوم واحد أو في شهرٍ مقدّس قامت القيامة وما قعدت،

لأن "قرار المنع هذا يتسبب في هروب الاستثمارات وتدهو الاقتصاد وازدياد البطالة وخسائر لها أول وليس لها آخر" (هكذا تعامل الإعلام البحريني مع قرار منع تناول المشروبات الروحية في الفنادق البحرينية خلال شهر رمضان السابق)، فيا ترى أي اقتصاد وأي استثمار هذا الذي نجاحهما وفشلهما يعتمد على مدى توفر الدعارة وتداول وانتشار المشروبات الروحية في بلداننا؟، وإن كان هذا صحيحاً، أليس هذا دليل قاطع على إننا بتنا لا نستغني عن هذا الغرب حتى فيما يُفسد مجتمعاتنا وقيمنا وعاداتنا السليمة؟، وإننا، ونحن على مشارف القرن الميلادي الحادي والعشرين، لازلنا نعاني من خلل كبير في مفاهيم ومعايير التحضّر والتخلف الإجتماعي، وهذه المفاهيم والمعايير تتغيّر بالبوصلة الغربية وليس ببوصلة مصالحنا وعقائدنا وقيمنا...
فهل لنا من استراحة لتقييم هذا الواقع العربي الجديد بمراجعة هادئة لبعض مما تتعرض له الأمة من تخريب متعمّد؟...
في مقدمة كتابهما "الاعتراف الأخير، حقيقة البرنامج النووي العراقي" (مركز دراسات الوحدة العربية/2005)، يستذكر العالمان العراقيان (مؤلفي الكتاب) الدكتور جعفر ضياء جعفر، والدكتور نعمان النعيمي (المسؤلان الرئيسيان عن مشروع البرنامج النووي العراقي منذ بدايته عام 1965 وحتى نهايته 1991-2003) يستذكر الكاتبان ضمن أسباب كتابتهما لهذه الاعترافات النص التالي: "نروي في هذا الكتاب قصتنا مع البرنامج النووي العراقي السابق بتفاصيلها، والذي كنا نسميه البرنامج الوطني إيماناً منا نحن العلماء العرقيين بأن ذلك البرنامج هو الأسلوب الأمثل للتطور العلمي والتكنولوجي في العراق، وعليه أن يحرّك العقول العلمية ليكون الملهم لتفتح إبداعات التقنيين العراقيين، حيث نتمكن من بناء مشاريع صناعية مساندة بالجهد الذاتي، فنعزز بالنفس وبالقدرات الوطنية، ما سيجعلنا ننفذ مشاريعنا المستقبلية بأقل قدر من الاعتماد على الشركات الدولية المحتكرة للتكنولوجيا، ومن خلال ذلك البرنامج سنقفز إلى ما يطلق عليها حافات العلوم المتقدمة في عصر الثورة العالمية العلمية والتكنولوجية... غير أننا إذ لم نتمكن من إيصال البرنامج إلى تحقيق أهدافه.. إلا إننا فخورون بكوننا حققنا الكثير مما ذكرناه آنفاً، وكان برنامجنا بحق مدرسة لتأهيل العلماء وتدريب الكوادر الهندسية والتقنية، حيث بدأنا البرنامج بعدد قليل من العاملين فيه وتوصلنا إلى أكثر من 8000 منتسب قبل تدمير البرنامج عام 1991"... هذا كان مضمون التقدم العلمي العراقي الذي عمل على بناء أكبر عدد من العقول العلمية قبل وأثناء وبعد بدء البرنامج الذي تم تدميره عن بكرة أبيه بواسطة قوى الشر الغربية خلال أكثر من ثلاثة عشر عاماً (1991-2005) تلك الفترة التي يقول عنها الكاتبان "كان علينا أن نقود زملاءنا القدامى أو نشاركهم... المجابهة مع المفتشين الذين تبنوا أساليب المباحث ورجال عصابات المافيا، وراقبناهم بعيون ملأى بالدموع يدمرون أبنيتنا وما تحتويه، إذ كنا قد ضحينا بيفاعة سنوات عمرنا، وبالسهر والقلق المستديم، نبني ذلك الصرح التكنولجي المتقدم بعقولنا وحدنا دون أن نستعين بأية خبرة أجنبية، ودون أن نشتري أو نسرق المعلومات كما فعل ويفعل غيرنا في بلاد العالم التي سعت أو تسعى إلى امتلاك ناصية العلوم والتكنولوجيا النووية"... ورغم ذلك لم نسمع أحد من كتابنا الأفاضل أو بعض من إعلامنا العربي العتيد يندب حظه خلال ثلاثة عشر عاماً بما كان يحدث من تدمير لكل صنوف العلوم والتكنولوجيا المتقدمة التي تم بنائها في العراق، كما هم يندبون الحظ بمنع المشروبات الروحية وتدني السياحة الذي بتقديرهم سيكون سبباً في هروب المستثمرين وتدني الاقتصاد من بلداننا...
ألا رحم الله الكاتب والمفكر العربي الراحل عبدالرحمن منيف وهو الذي شبه هذه البلدان بمدن الملح في وصفه لهشاشة دولنا التي يمكن أن تذوب كالملح في الماء عندما تنتهي مواردها وثرواتها وأهميتها للمصالح الأجنبية، لأنها لم تتمكن من الاستفادة من هذه الثروات والموارد الاقتصادية الناضبة في بناء مجتمعات قادرة على مواجهة التحديات العلمية والاقتصادية والسياسية...