هل حقاً الأساطيل والقواعد العسكرية تحمينا...؟

يا ترى هل حقاً الأساطيل والقواعد وأجهزة المخابرات والاستخبارات الأمريكية والأنجليزية، التي تموج بهم بحار وأراضي الخليج العربي، تعمل على حماية أمن وسيادة وعروبة منطقتنا، الواقعة تحت التهديد المباشر والمتصاعد والمستمر، في ظل كل ما يحدث في المنطقة منذ عام 1980 وحتى يومنا هذا؟...
لدعم سؤالنا نرى التعريف بشئ من حقيقة الأوضاع الجارية حولنا، وعدم دفن رؤوسنا تحت التراب لتفادي الرياح، التي تهب علينا من كل الجهات، بعد أن باتت المؤشرات من الوضوح بما تعجز الإمبراطورية الإعلامية الغربية بكل قواها وقدراتها الخارقة عن تعتيمها.
إن الحقيقة الأولى، تقول بأن الأحداث المتصاعدة، عنفاً واقتتالاً، في المنطقة ما هي إلا صراع دولي تستخدم فيه الأطراف المتصارعة الدول الواقعة على ضفتي الخليج العربي كأدوات لتنفيذ مصالحها، ويمكن تحديد هذه الأطراف في القطبين الأوروبي والأمريكي، في تنافسهما المقيت على نفوذهما في المستعمرات القديمة الجديدة، وخصوصاً بعد إختفاء الشبح السوفييتي الذي كان قد وحّد تلك الأقطاب لمواجهته لأكثر من نصف قرن...


وبالتالي، فإن احتلال العراق قد تم ضمن ذلك الصراع وبأساليب لا يتقنها غير تلك الأقطاب، ولسنا بحاجة للتعريف بالدور الإيراني مع المحتل الغربي في إحتلال العراق بعد أن اعترف به أكبر القادة الإيرانيون، فكانت المكافأة أو الاتفاق هو أن سلّم الاحتلال الأنجلوأمريكي العراق إلى إيران، وهو الأمر الأكثر وضوحاً في هذا الصراع...
واليوم وقد جلست إيران مع "الشيطان الأكبر" على طاولة المفاوضات حول مصير العراق، ألا يقلق الأنظمة الخليجية حقيقة وجود هذه القواعد والأساطيل الحربية الغربية التي تحاصرنا في البر والبحر والجو، في إنها لا تشكّل لنا حماية لصد أخطار الجمهورية الإسلامية بقدر ما هي أداة ترويع وترهيب في سبيل الحضوع لها؟!... وفي الجانب الآخر، ألا يرى الخليجيون إن زوبعة المعارك الجانبية التي تثار اليوم حول أزمة البرنامج النووي الإيراني، لا تثير إلا المزيد من الشك والقلق الذي يصب في عامل الترهيب والترويع، للإستسلام للإرادة الإيرانية من جهة، ولإبقاء الحاجة للوجود الغربي الاستعماري في المنطقة بهدف الحماية؟... وفي النهاية ستبقى دولنا تعيش عملية إبتزاز أمني واقتصادي في هذه المرحلة المبكرة من تفاعلات تشكيل النظام الدولي الجديد، التي تتصارع فيه الأطراف لتحجيم قوة الولايات المتحدة الأمريكية، وإخراجها من المستعمرات الأوروربية القديمة.
لم تنجح بلاد فارس، منذ عهد الشاه إسماعيل الصفوي (1501م/907هـ)، باحتلال أية بقعة من الأراضي العربية المجاورة بقوة السلاح رغم المعارك التي خاضتها لهذا الهدف، ولكنها نجحت في تحقيق أهدافها تلك بالتحالف مع القوى الغربية التي تلتقي معها في هدف الهيمنة على هذه المنطقة، ويُعَد التحالف الإيراني البريطاني أطول تلك التحالفات عمراً، وأكثرها دعماً لاستمرار السياسات الإيرانية التوسعية الدءوبة حتى يومنا هذا... ونسرد هنا بعد الشواهد الحية على ذلك.
في 17 مايو/أيار 1639م، وعلى إثر معارك طويلة بين بلاد فارس والعثمانيون، وقّع الطرفان على "معاهدة زهاب الأولى" (نسخة من المعاهدة محفوظة في الأرشيف التركي:الخط الهمايوني، وثيقة رقم 37147-B,C,D) لتكون وثيقة صلح وتحديد المناطق الحدودية بينهما، وشكّلت نصوصها أساساً من أسس المعاهدات التي تلتها، ولم تتعرض تلك الاتفاقية إلى الأحواز وشط العرب، مما يؤكد خضوعهما لسيادة العراق والسيطرة العثمانية. ولكن أصبحت منطقة زهاب مجالاً للصراع العثماني الفارسي عليها خلال القرن التاسع عشر.
في 31 مايو/أيار 1847م، وبعد تاريخ طويل من الصراعات والمعارك بين كرٍ وفر بين الفرس والعثمانيين، وقّعتا "معاهدة ارضروم الثانية"، التي نالت فيها بلاد فارس مدينة المحمرة وميناءها ومرساها وجزيرة خضر، وكذلك نالت زهاب والقسم الشرقي منها، ونصت على حرية الملاحة في شط العرب. وجاءت التنازلات العثمانية بالموافقة "تحت الظروف القاهرة، وبتعبير آخر حمّلتها إنجلترا وروسيا ضغطاً كبيراً عليها" لما كان يمر به العثمانيون من ظروف حرجة منعتهم من رفض إرادة الأطراف الأوروبية، وخصوصاً أن بريطانيا كانت قد طلبت حرية الملاحة في شط العرب على أمل تدويله.
في عام 1847م، وفي ظل الضغط البريطاني، وقّع الطرفان اتفاقية ارضروم الثانية، التي اقتطعت المدن العراقية سربيل زهاب، وغيلان غرب، وكرند، ودرنة، وغيرها، وهي مناطق حدودية تابعة لولاية بغداد، واقتطعت المحمرة، لتُضَمْ كلها إلى إيران... وفي المذكرة التفسيرية التابعة لهذه الاتفاقية حددت بريطانيا وروسيا صلاحيات الفرس والعثمانيين في هذه المناطق، لخلق توازن يضمن موافقتهما وتوقيعهما على الاتفاقية، فقيّدَت صلاحيات إيران بعدم التدخل في سيادة المحمرة وحكومتها التي كانت بقيادة قبيلة بني كعب العربية خوفاً من تمرّد قبائلها الأشداء، في ظل أهمية هذا الميناء الحيوي لخطوط ملاحة المستعمرات البريطانية. لذلك بقيت المحمرة وباقي إمارة الأحواز عصية على الفرس فلم يتمكنوا، في تلك الظروف الدولية، من فرض سيادتهم عليها.
في سنة 1913م، وفي ظل النفوذ البريطاني في المنطقة، احتلت إيران مدينة قصر شيرين العراقية والأراضي التابعة لها في بروتوكول الحدود الموقع بين الفرس والعثمانيين، وخسر العراق بهذا البروتوكول منطقة آبار النفط المعروفة الآن بـ "نفط شاه".
وفي عام 1925، تمكن الفرس من الزحف إلى المحمرة واحتلالها، وذلك بعد أن غدر الإنجليز بأمير المحمرة (الشيخ خزعل)، حيث حضر ملبياً دعوتهم على العشاء في إحدى بواخرهم، فقيّدوه وسلّموه للإيرانيين الذين قتلوه. وهكذا وضعت إيران يدها على إحدى مناطق النفط العربية الأكثر ثراءاً في الشرق الأوسط.
في عام 1936، وبالتحالف البريطاني، احتلت إيران الجزء الشرقي من بلوشستان لتمتد حدودها الجنوبية الغربية إلى سواحل خليج عمان والمحيط الهندي، وتمتلك أطول إطلالة على البحر نسبة لباقي دول الخليج، امتداداً من شط العرب والخليج العربي إلى المحيط الهندي (إيران 3200 كم، السعودية 2500 كم، عمان 2100 كم، اليمن 1900 كم، الإمارات 1450 كم)..
في عام 1971، وفي ظل الترتيبات البريطانية في المنطقة، وفي إطار تسويات إقليمية أخرى، منها توقيع إيران اتفاقيتين للجرف القاري مع كل من قطر والكويت عامي 1969 و1970 على التوالي، احتلت إيران جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، في مضيق هرمز، نظير إلغاء إيران الإدعاء بحقها التاريخي في البحرين.
وهكذا تقول الحقائق، إن تلك الاحتلالات الإيرانية للأراضي العربية منذ اتفاقية زهاب الأولى، حدثت بالتحالف مع القوة العظمى البريطانية، وإن تلك الأراضي العربية حَوّلَت إيران إلى دولة نفطية ثرية، وحولتها من أرض مغلقة لا تملك أي منفذ مائي إلى أرض مفتوحة على أحد أكثر المنافذ البحرية حيوية في الخليج العربي...
فيا ترى، في ظل هذه الحقائق التاريخية، ما هي ضمانات أنظمتنا الخليجية في حماية القواعد والأساطيل الغربية لسيادتنا وأمننا ومواردنا من العدو التاريخي؟