الثقافة السياسية لحماية المصلحة الوطنية..

"الديمقراطية الغربية جميلة جدا إذا لم تخرج من حدود أوطانها إلى أوطان الشعوب الثالثة والرابعة التي لا يحق لها أن تتمتع بهذه الديمقراطية الجميلة التي فصّلها الغرب على مقاسه والتي يضن بها على بقية الكائنات الحية التي يعتقد أنها ليست أهلا لها، فالديمقراطية الغربية لا يمكن أن تتحول إلى شرقية ولا إلى جنوبية ولا إلى جنوب أمريكية ولكن يجب أن تبقى في مفهوم الغرب غربية.. هي ديمقراطية مرتبطة بالمكان ولو خرجت من مكانها فسدت لأنها لا تتناسب مع مصالح الغرب خارج ذلك المكان، هي ديمقراطية أوروبية أمريكية إسرائيلية فقط لو تجاوزت حدودها احترقت لأنها تتضارب حينها مع أطماع الغرب وتنقص من ثروات الغرب وتضعف من سيطرة الغرب".. (أمير أوغلو).
النص المقتبس أعلاه يفسّر تماماً معاناة بلداننا التي تعمل حثيثاً على التعرف على الديمقراطية وممارساتها، في زمن اختلت فيه موازين القوى الدولية، وتغيّرت فيه قواعد اللعبة الاستعمارية في الهيمنة ونهب ثروات الشعوب، المتجمع جلها في أرضنا العربية..

فكشّر الطامعون عن أنيابهم بعد غياب القطب الشيوعي، تحت شعار الديمقراطية، لتقطّع في نسيج مجتمعاتنا التي باتت هدفاً سهلاً في ظل حداثة ثقافتها السياسية ووعيها الديمقراطي، إذ أي انحرف فيهما عن المصلحة الوطنية، يُضعف مناعة الأمة.. حتى تتلاشى المناعة وتنتهي مقاومة الجسد العربي و"يخرج من التاريخ"..
وتحت هذا السقف تعيش غالبية مجتمعاتنا العربية، متنقلة من أزمة إلى أخرى، ومن صراع إلى آخر، منذ ما يقارب القرن، حتى باتت الأمور أكثر وضوحاً و"شفافية"، للوعي العربي في ظل ثورة الاتصالات وما يُدعى بـ"القرية الكونية الصغيرة"..
وتحت هذا السقف تُقرأ فصول أحداث "تقرير البندر"، بدءاً بشخصية معد التقرير وانتهاءاً باستقوائه بضغوط "الديمقراطية الغربية"، والذي مهما كانت التداعيات والنتائج التي يتوقعها أصحاب التقرير، فإنه بشيء من الوعي السياسي وبقراءة متأنية لمحتوياته، من مصطلحات وتعابير وفقرات مقتبسة ومكررة، يمكن الإشارة إلى مصادره وأسبابه، وأهدافه التي لا تذهب بعيداً عن ما أثير في البحرين من أزمات خلال السنوات الماضية... والماضية هذه تمتد إلى ما ما يزيد على العقدين من الزمان، مع بدء تمترس الطائفية السياسية وراء ستار الدين من جهة وستار الديمقراطية من جهة أخرى، ولازلنا بانتظار المزيد من السواتر التي لابد أن تخفي عورات الإنقسام والتطييف الذي لا يمكن أن يعلن أصحابها عن أنفسهم..
تتأكد كل يوم صحة التوقعات والتحليلات المتعلقة بمجمل الحدث من خلال الأخبار التي تأتي تباعاً لتكشف سلوك كاتب التقرير، غريب الأطوار، والسلوك المهني الذي لم يدل على مهنية أو حرفية أو كفاءة علمية تهدف التصحيح أو تعديل خطأ أو حرص على المشروع الإصلاحي أو المجتمع البحريني، كما ادعى في كل حواراته مع الإعلام، بقدر ما تسبب في المزيد من الإنقسام والفرقة الطائفية.. وبذلك يمكن تأكيد التالي:
- رغم ادعاء كاتب التقرير الخبرة الطويلة في المجال الاستشاري السياسي والاقتصادي والمجتمعي والعلمي، إلا إنه إلى هذا اليوم لم يثبت إنه حامل لأي مؤهل أو درجة علمية محددة..
- من الواضح إن كاتب التقرير كان جزءاً من الجهاز الذي كشفه في تقريره، إن لم يكن هو من أنشأه، بدليل إن كل تواريخ الشيكات المصورة في التقرير هي لنفس الفترة التي عمل بها في البحرين..
- بعيداً عن دغدغة العواطف الديمقراطية والطائفية التي يدّعيها كاتب التقرير، فمن غير المقنع بأن حرصه على المشروع الإصلاحي كان دافعه في نشر التقرير الذي شكّل أزمة والمزيد من التفتيت في المجتمع البحريني، مما يدل على أن قرار كشفه لتلك المعلومات بدأ قبل نشر التقرير بعدة أشهر مما مكّنه من جمع الوثائق التي نشرها.. فياترى ما الذي كان سبب انقلابه المفاجئ على ذلك العمل الذي قال إنه يستلم عليه أجراً يقارب 6000 دينار بحريني؟، إلا إذا كان الإغراء المادي المعروض عليه من أطراف أخرى أكبر من هذا الرقم بكثير..
- رغم ترحيله من البحرين بشكل فجائي وخلال ساعات محدودة (حسب أقواله)، إلا إن الدكتور سعيد الشهابي، المعروف بتزعمه المعارضة البحرينية في الخارج وبمقالاته التمجيدية للنظام الإيراني، كان في استقباله في مطار هيثرو..
- وبعد اسبوعين من تواجده على الأرض البريطانية رتّب له اللورد أيفبري، المعروف باحتضانه للمعارضة البحرينية المتطرفة في الخارج، استقبالاً في مجلس اللوردات البريطاني، الذي سينعقد صباح يوم الخميس 5 أكتوبر الجاري، وذلك دون أن يتحقق اللورد من صحة التقرير أو تداعياته السلبية من الطرف البحريني..
وهنا نتساءل، ياترى من هي الأطراف المستفيدة من نشر هذا التقرير في البحرين وبهذا التوقيت؟..
وكم طرف أجنبي تعاون مع المدعو "البندر" لإختراق الجهاز الحكومي البحريني؛ والأطراف المحلية التي وفّرت له الاتصال؟..
وبعد هذا كله، أليس من حق المواطن أن يتساءل: هل هناك حماية أكيدة لأمننا القومي؟