التجنيس.. افتعال أزمة وانشغال أمة

خلال السنوات الأربع الماضية، نجحت جمعيات إسلامية معينة في افتعال أزمات متتالية حول ما أسمتها بـ"ملفات وطنية"، كما نجحت في إدارة هذه الأزمات وتفعيلها وتعليقها، في حدود أهدافها غير المعلنة، دون أن تحقق أية نجاحات في أهدافها المعلنة، وبإيجاز شديد، أولاً: نجحت بتجيير كل تلك الأزمات لأهداف طائفية وشق الصف الوطني، وثانياً: نجحت في تصعيد الأزمات لمستويات تحقق رؤى وأهداف خارجية وإقليمية، ثالثاً: نجحت بإشغال المجتمع البحريني حول الشأن المحلي الملتهب باستمرار لينشغل ويبقى بعيداً عن الشأن القومي الذي يتدهور من السيئ للأسوأ، رابعاً: نجحت في تحقيق الاستفادة القصوى من تحالف بعض الجمعيات القومية معها حول هذه الملفات لإبعاد صورة الطائفية عنها، خامساً: والأهم إنها تمكنت تدريجياً من الحصول على مكاسب تطبيقاً لمبدأ "خذ وطالب"، بعيداً عن أهدافها المعلنة الخاصة بالدستور، أو عن إيجاد حلول ناجحة لتلك الملفات العالقة، التي يتم التلويح بها، بين الحين والآخر، ضمن أجندات زمنية وسياسية خفية...


ولأن الطائفية مرض بات ينخر في المجتمع البحريني، فإنه ليس من الوطنية تجاهل الأساليب التي اتّبِعَت في تأجيجها خلال أكثر من عقدين من الزمان، ولا إنكار ضلوع أجهزة ومنظمات وقيادات خارجية في وضع استراتيجياتها وتنظيم صفوفها... كما ليس من الحكمة تجاهل خطورة هذا المرض على هوية البحرين وعروبة البحرينيين وولائهم الوطني والقومي، هذا الخطر الذي يعد هدفاً أساسياً في إستراتيجية تأزيم الملفات الوطنية البحرينية طائفياً... وما الأقلام والأصوات التي بدأت تعلو من داخل هذه الجماعات بالإساءة العلنية والمباشرة للقومية العربية والعرب (القومجيون والبعثيون والتكفيريون)، إلا شهادة حية لبداية أزمة جديدة ستكون مدخلاً لصراع من نوع آخر، لن يخشى فيها هؤلاء من رفع أصواتهم والإعلان بتبعية البحرين لإيران. وإذا كانت إدارة الأزمات السابقة التزمت، خلال السنوات الأخيرة، بالتصعيد السلمي واتجهت مؤخراً لممارسة نماذج من العنف البسيط، فإنه من المؤكّد إن الصراع القادم لن يتبع الخط السابق، وهناك الوثائق والمؤشرات المؤكدة حول ذلك.
اتبعت هذه الجماعات تفعيل الأزمات حسب أجندات خفية، لا يعرف بها إلا قياداتها... والمثال الحي على ذلك هو التوقيت الذي اختاروه لتصعيد الأزمة الجديدة-القديمة المفعول بها تحت شعار التجنيس غير القانوني لعشرات الآلاف من الآسيويين، بإشاعة مقولات يعلم مروجيها جيداً بكذبها... فيا ترى ما هي الأجندة الخفية، الحالية، خلف هذه الإشاعة؟..
يتم تداول أخبار مؤكدة بأن جماعات من طائفة معينة، ومن أصول غير بحرينية، تمكنت من شراء بيوت وأراضي أحياء بأكملها في محافظة المحرق، بإغراء أصحابها ومالكيها البسطاء بمبالغ مالية كبيرة، قَبَلَها الأهالي تحت ضغط الحاجة تارة والخوف تارة أخرى... بدأ بعض الأهالي يُعَبّرون عن مخاوفهم (سراً إلى بعض الصحف) حول مضايقات توجه إليهم من أصحاب بعض الحسينيات التي يسكنون بجانبها بعد أن رفضوا بيع بيوتهم البسيطة لجهات عرضت عليهم شرائها، لتضم إلى هذه المؤسسات الدينية، مقابل مبالغ لا تساعدهم على شراء سكن آخر. وتقول الأخبار بأن أجهزة الدولة اكتشفت المخطط في مراحلها الأخيرة وتمكنت من إحباطها. وفي الجانب الآخر تقول الأخبار المؤكدة بأن رئيس دائرة الأوقاف الجعفرية، في البحرين، وافق على منح السفارة الإيرانية قطعة أرض كبيرة من أراضي الأوقاف بناءاً على طلب من السفارة، رغم إن العملية تعد غير قانونية ولا دبلوماسية، حيث على السفارات الأجنبية التعامل مع وزارة الخارجية فقط في شأن حصولها على أراضي أو بيوت لأغراض سفاراتها..
وبكشف المستور حول الكثير من هذه القضايا، يحاول البعض التسابق على دحضها بنشر شائعات وخلق أزمات في المجتمع، مثل أزمة التجنيس غير القانوني، التي حاولت تلك الجمعيات أن تلم المؤسسات السياسية الأخرى حولها لتغطي على الأمور الأخرى..
وبكشف مدى الارتباط بين تفعيل وتعليق الأزمات المحلية بالأجندات الإقليمية..
وبانكشاف بعض التقارير والمخططات المرسومة للبحرين مع تطورات الوضع الإقليمي في المرحلة القادمة.. ستحاول الجمعيات، الموالية لتلك الأجندات، افتعال صراعات جديدة بهدف سحب الوطن للعنف السياسي والمتطرف، التي بدأت مؤشراتها في وقت سابق...
نتمنى من الله أن يحفظ البحرين، وأن تكون كل الأطراف على مستوى فهم ودرء الأخطار التي تمر بها منطقتنا، في ظل الحروب المدمرة التي بدأت تزحف على الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى، ضمن نظرية "الفوضى الخلاقة" التي يدعو لها البعض في البحرين!؟..


كلمات دالة: