نحن نعيش في قرن المرأة بجدارة، فالمرأة تحقق تقدم في تسلّم المواقع القيادية على المستوى العالمي بتسارع وتزايد مستمر منذ بدء القرن الميلادي الثالث الذي نعيشه، لأسباب كثيرة، ليس هنا مجال سردها جميعاً، إلا إن ما لا يمكن تجاهله من تلك الأسباب، حتى لو لم يتم الاعتراف المباشر به، هو بالتأكيد النزوع إلى تجربة نوع آخر من القيادة يختلف عما هو مهيمن على عالمنا الذي أصبح القتل والدمار والفساد من أهم سماته.
وفي قرن المرأة هذا، تعوّض المرأة البحرينية، منذ بدء العملية الإصلاحية، سنوات حرمانها من حقوقها السياسية بما تحققه اليوم من انتصارات متتالية في مسيرتها الواسعة الخطى نحو المشاركة الفاعلة في المواقع القيادية وصنع القرار التي هي جديرة بها.
وبتعيين السيدة منى الكواري، أول قاضية في البحرين وعلى مستوى الخليج العربي، وترشيح السيدة هيا الخليفة للوصول إلى أعلى موقع قيادي دولي، لتكون أول سيدة تتزعم الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، تختصر القيادة البحرينية المسافة الزمنية الطويلة التي كان على المرأة البحرينية السير بها للوصول إلى هذا المستوى المتقدّم... وبهذه المساندة الحقيقية لدور المرأة تخطو القيادة السياسية في البحرين خطوة حضارية جريئة تسبق بها الزمن الذي لن ينتظر المتخلفين عن قطاره، وتحقق للبحرين نجاحاً سياسياً باهراً على المستوى العالمي.
ومن المؤكد إن مسيرة تقدم المرأة البحرينية على المستوى الرسمي تفتح الأبواب أمامها لإثبات كفاءتها وأهليتها بما يجب أن تقدّمه من أداء نتمنى أن يكون متميّزاً لتحقيق المزيد من القبول والمزيد من النجاحات، والتقدّم.
وإننا إذ نثمّن باعتزاز شديد هذا الدعم الكبير الذي تقدمه القيادة السياسية للمرأة البحرينية وقضاياها، فإنه لا يمكن إلا أن نطالب القيادة، باهتمام بالغ، أن يتواصل دعمها هذا في حل أهم قضايا المرأة البحرينية المتعلقة بتعديل بنود المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي من شأنها أن توفر للمرأة في البحرين المساحة اللازمة للعمل، جنباً إلى جنب الرجل، دون ضغوط اجتماعية واقتصادية معرقلة لنجاحها وإبداعها في مواقعها القيادية الهامة، وغيرها من مواقع في مسيرة التنمية الوطنية، وفي الحياة اليومية العادية.
وفي الجانب الآخر، لا يمكن أن نتطرق لهذه الانتصارات التي تحققها المرأة على المستوى الرسمي، والانتصارات السياسية التي تحققها القيادة البحرينية في هذا المجال، دون أن نعرب عن المرارة البالغة على فشل المرأة البحرينية في تحقيق أي تقدّم على المستوى القيادي في مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية وأهم المؤسسات المنتخبة، والذي يعكس بوضوح شديد مزاج قادة الحراك السياسي ورؤاها المتخلفة في قضايا المرأة عموماً، وانعكاس ذلك المزاج على الوعي الثقافي للمجتمع البحريني.
ومن المؤسف بأن النجاحات الكبرى الأخيرة التي حققتها المرأة البحرينية بالقرار السياسي الرسمي، يتزامن مع نشر الصحف المحلية لقوائم الأحزاب للانتخابات النيابية القادمة في البحرين وهي خالية تماماً من أي إسم نسائي، مما يشير إلى تدني وعي وقناعة هذه المؤسسات السياسية بأهمية وضرورة الحضور النسائي في المجالس التشريعية المنتخبة، وكأننا أمام صورة سريالية لمجتمعاتنا وهي تواجه العصر متمسكة ببدايات خيوطها بينما خطواتها تتجه إلى الخلف متراجعة إلى داخل التاريخ.
فأية مفارقة هذه!، أن يتقدّم السلوك والقرار السياسي الرسمي على السلوك والقرار المجتمعي والأهلي في حقوق المرأة بخطوات واسعة وسبّاقة؟، وكيف يمكن تعديل هذا المسار الخاطئ بدفع فاعل ودون زيف بهدف التجميل وتحسين الصورة فقط؟..
هذا ما يمكن أن تحققه المرأة نفسها، بتفعيل أدوارها في الانتخابات القادمة، مرشّحة وناخبة، متحدية كل القوى التي تحاول تهميشها وإبقائها في نهاية المسيرة...