"وادي الذئاب – العراق"

"وادي الذئاب-العراق، Valley of the Wolves-Irak" إسم فيلم من إنتاج وإخراج تركي وتمثيل تركي-سوري، يُعرض في مجمع سينما السيف 2، يعد الأول من نوعه في عرضه، شبه الواقعي، لعنف ودموية ووحشية الاحتلال الانجلوأمريكي للعراق، بكل مشاهد الدمار والقتل الجماعي، والمجازر البشرية وحمامات الدم التي لا يفرق المحتلون فيها بين الطفل والشاب والرجل والشيخ المسن والمرأة...
لا يمكن الحديث عن هذا الفيلم، الذي تم إنتاجه وعرضه في وقت لازالت أحداث قصته جارية وحية، وتعاني فيها قوات الاحتلال الأمريكي من أسوأ أزمة عسكرية وسياسية واقتصادية منذ حربها على فيتنام حتى اليوم، لا يمكن الحديث عنه دون الاعتراف بشجاعة السينما التركية التي بادرت بإنتاج هذا الفيلم دون أن تهاب الإرهاب الإعلامي الأمريكي الذي يمكن أن يكيد لأصحابه مكائد تصل إلى كل أنواع التصفيات السرية، والاعتراف بالعمق الثقافي التركي الذي استطاع أن يستوعب حقيقة اللعبة السياسية القذرة التي تمارسها هذه القوى العظمى ضد شعوب المنطقة.

هذا في الوقت الذي تلتزم الأنظمة العربية بصمت القبور أمام المجازر اليومية التي يعيشها الشعب العربي في العراق، غير متميّزة عنها النخبة العربية، بما نشاهده من سقوط مستمر في صفوفها، بين من انتقل بفكره وإرادته للقوة التي لا يمكن أن تُقهر أو لمن يمكن أن يدفع أكثر، وبين من ارتأى منهم الوقوف في الظل، خوفاً ورعباً من تهمة الإرهاب والوعيد الأمريكي الذي يزداد قوة كلما ازدادت الشعوب خوفاً وجبناً.
تدور أحداث الفيلم في مدن السليمانة وكركوك وأربيل في شمال العراق، حيث يعيش العرب والأكراد والتركمان العراقيون في أحيائها المتداخلة... في جانب منه يروي الفيلم أحداث المجازر والاعتقالات التي تفتعلها القوات الأمريكية ومرتزقتها، حيث يتم استغلال الجثث والجرحى والمعتقلين في عملية تجارة الأعضاء البشرية، التي تُبعث مباشرة إلى مراكز متخصصة في مدن أوروبية وأمريكية وتل أبيب، ويدير العملية كلها طبيب يهودي متخصص في هذه التجارة. وفي جانب آخر تحكي القصة وقائع التعذيب والقتل العشوائي الذي يستهدف كل الأثنيات دون استثناء، للحفاظ على تجارتهم الأصلية، وفي جانب تروي تبعات تلك الجرائم، وهي عمليات الانتقام الاستشهادية التي يقوم بها أفراد بهدف المقاومة والثأر لشهدائهم... الأب ينتقم لمقتل أبنه البريء الذي قتله الأمريكان دون ذنب، والعروس التي قتلوا عريسها ليلة عرسه، والأخ الذي أهان المحتل كرامة أخيه فانتحر لعدم تحمله العيش ذليلاً بدون كرامة... وهكذا.
لا يحاول الفيلم أن يخفي تركيزه على الإعلاء من شأن قيم وأخلاقيات الجيش التركي والعشائر التركمانية التي تعيش في تلك المناطق العراقية. في الجانب الآخر لا يخفي الفيلم أيضاً تركيزه على مدى تدني قيم الميليشيات الكردية وقياداتها التابعة للاحتلال مقابل الكسب المادي المستمر، إلا إنه لم يتمادى المخرج في تصوير كل ذلك على حساب اهتمامه وتركيزه على تصوير مدى التدني والخواء القيمي والأخلاقي والعاطفي في الجندي الأمريكي، الذي يحاول التعويض عنه باستعراض قوته التي يجسدها المخرج بمنظر عضلات ذراعيه وصدره العاريين دائماً، دون أن يتخلى عن سلاحه المُشهر طوال الوقت.
رغم مظاهر العنف الدموي غير المحتمل، إلا إنه فيلم يبقى في ذاكرة كل من يشاهده... ورغم إن إحداثه تدور في نطاق جغرافي صغير نسبة لأحداث العراق الممتدة على كامل مساحته، ورغم إن أحداثه واضحة المعالم في نطاق صراع واضح الأطراف نسبة لأحداث العراق المتداخلة المعالم والمتعددة الأطراف في باقي أجزائه، في جنوبه ووسطه وغربه وشرقه، إلا إنه فيلم يستحق المشاهدة ليعرف العالم ماذا يحدث هناك...
هناك حيث يعيش العراق والعراقيون منذ أكثر من ثلاث سنوات، حرب تطهير عرقي يشترك فيها كل أعداء العراق التاريخيين، عدو انجلوأمريكي، صهيوصفوي... فمتى وكيف سينقشع هذا الليل الحالك السواد على بغداد يا ترى؟...