منظومة القيم والمعايير (4) مَن يعمل على تدمير قيمنا السليمة...؟

ونحن على أعتاب المرحلة الثانية من العملية الإصلاحية في البحرين، وبرؤية معمقة حول ضرورة إنجاح هذه التجربة الفاصلة في تاريخ بلادنا، تعهدنا إلى جانب الكشف عن إنجازاتها، التي نسجلها في تاريخ البحرين الحديث، كذلك تعهدنا على أن نكشف عن المعايير ومنظومة القيَم السلبية التي يمكن أن تنسب إلى هذه المرحلة، وتتحكّم في الأداء السياسي البحريني على المستوى الرسمي والمجتمعي، وتُعَد من أهم أسباب فشل التنمية في بلداننا من جهة، وفشل العمل السياسي من جهة أخرى.
تؤكد الحقائق بأن مع كل مرحلة تغيير سياسي ومجتمعي، تطفو على السطح قوى وجماعات جديدة، خيّرة وشريرة، تحاول فرض سيطرتها وهيمنتها، على المجتمع، بكل ما تيّسر لها من وسائل شرعية وغير شرعية. وكذلك تؤكد الحقائق، أنه بينما القوى الخَيّرة تفضّل عدم الدخول في مجابهات وصراعات خارج إطار المبادئ والشرعية، وتفضّل، أحياناً، الاعتزال والانسحاب على الدخول في معارك عصية ضد المفسدين، فإنه غالباً ما تكون قوى الشر والفساد أكثر عناداً ومَنَعَةً في تلك المعارك والصراعات، بهدف الوصول إلى مصالحها وأهدافها الذاتية على حساب الوطن والمصلحة الوطنية في تلك المفاصل الانتقالية للتحولات السياسية والمجتمعية، ما لم تدار تلك المراحل من قبل قيادات ومؤسسات مخلصة في مبادئها ووطنيتها وتملك رؤية سياسية عميقة ووعي وطني حقيقي.


ولأن البحرين تعيش تلك المرحلة الانتقالية التي بدأت مع الإعلان عن مبادرة الإصلاح السياسي في عام 2000م، فهي تعيش اليوم، ومنذ ست سنوات، كل إرهاصاتها، في عملية بدأت ولازالت مستمرة منذ بدء التحول الإصلاحي، ما بين محاولات حثيثة تقوم بها بعض من المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية، وبين من يبحث عن مجد لم يحققه، وبين جهود وأداء البعض الآخر الذي نفذ إلى ساحة العمل السياسي والشأن العام عبر ثغرات العملية الإصلاحية، ليصبحوا بين ليلة وضحاها شخصيات عامة وذوي نفوذ... وبين هذا كله وبين بعض السياسات الرسمية غير المحددة في التوجهات والأهداف، بدأت مظاهر جديدة للفساد الإداري والسياسي والثقافي تطفو على واجهة مجتمعنا البحريني الصغير.
وعوضاً عن تصنيف وتصفيف أوراق العهد الجديد، ولأسباب سياسية يتداخل بها الخارجي مع الداخلي من ناحية، ولأسباب في مجملها تهدف إلى تغليب الخاص على العام من ناحية أخرى، عملت أطراف عديدة في هذا المجتمع الصغير على خلط الأوراق، وهي محاولات يعمل أصحابها، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، على خلق منظومة من المعايير والقيم السياسية السلبية الجديدة، هي نسخة متطورة من تلك المنظومة القيمية الفاسدة للقوى السياسية العربية، غير بالغة القدم، التي عانى منها المجتمع في العقود الماضية، وألحقت به أضرار لازالت آثارها واضحة.
ولأن نهضة الأمم تعتمد على منظومة قيمها، فإن فقدان القيم الإيجابية، يعد سبباً أساسياً في انكسارها... وافتقاد البوصلة السليمة في التغلّب على القيم السلبية يعد أحد أهم أسباب فشل المجتمعات في بناء حضارتها العصرية، دون أن تذوب في قوى الخارج المهيمنة... وللأسف الشديد إن أطراف كثيرة في مجتمعنا البحريني الصغير، باتت تعاني من فقدان بوصلة منظومتها القيمية، وبدأت صور جديدة من الفساد السياسي والمجتمعي تطفو على السطح... فلم يعد للصدق مفهوم محدد، كما أُعطي للكذب تعريفات جديدة، فحل النفاق محل الصدق والرياء محل الحق...
وبما لا يمكن أن يصب في المصلحة الوطنية من قريب أو بعيد، ضمن منظومة القيم السلبية الجديدة، تُمارس بعض قوى الشر في مجتمعنا البحريني الصغير، أبشع الوسائل المافياوية، في محاربة الكفاءات البشرية ذوي النزاهة السلوكية والعفة الأخلاقية، لدفعها إلى التنحية عن مواقعها لتحقيق مصالح آنية، وقصيرة المدى، تتحكّم فيها النزعة الذاتية. وبنجاح تلك المحاولات يتم تثبيت دعائم قيم سلبية خطيرة في ثقافة هذا المجتمع، تكون سبباً للصراع بين قواه وفئاته المختلفة، لتشكل في النهاية مجموعة من التناقضات والخلافات والمزيد من التنافر والتضاد بين مختلف القوى المجتمعية التي ستصب في عرقلة العمل السياسي والأداء الإصلاحي بشكل عام.
وفي كل هذا، لا بد أن يكون لأداء القيادة السياسية للبلاد الدور الفيّصل في القضاء على تلك القيم السلبية، من خلال ما تُثَبْته من قيم ومعايير إيجابية أكثر قوة وفاعلية لتنحية تلك الشوائب المفسدة والضارة من القيم، التي ستخلق نموذجاً جديداً من الصراعات المعرقلة للعمل التنموي بشكل كامل، فنتحول إلى مجتمع مافياوي غير منتج، يقضي على كل قيم الخير التي تآلف حولها شعب هذه الجزيرة عبر التاريخ.
إلى شواهد أخرى في كتاباتنا القادمة...


كلمات دالة: