رسالة من قلب إمرأة عراقية، تنادي وامعتصماه...

ليعذرني القارئ الكريم إن أستغل مساحتي الكتابية اليوم لأنقل صوت العراق المذبوح إلى العالم، من خلال قلم إمرأة عراقية، تموت مع شعبها كل يوم تحت أقدام الغرباء الحاقدين على تاريخ وطنها. السيدة (...) تبعث بهذه الرسالة من بغداد، من أعظمية أبي حنيفة النعمان.
"تذكروا دائماً أن الاحتلال هو المسؤول"
"تتدهور الأوضاع في عراقنا الغالي يوما بعد آخر ضمن خطة غير مفهومة التفاصيل.. والمؤلم في الموضوع أننا نقرأ ونسمع كل يوم عن دور هذا او ذاك في التدهور الحاصل دون التطرق ولو من بعيد الى دور الاحتلال نفسه.. وهو أمر بديهي عند من يحاول التغطية على أفعال الاحتلال وتبييض صورته في أعيننا.. أما أن ينزلق مثقفونا الى ذلك.. فهذا ما لا يمكن احتماله.. إذ يجب أن نتذكر دائماً أن الاحتلال هو المسؤول الأول والأخير عن كل ما نمر به من سوء مهما حاولت الأحداث إزاحة أنظارنا عنه..
أما الساسة العراقيون والعرب الذين يلقون باللوم على هذا الطرف أو ذاك ابتداءً من ايران مروراً بالتكفيريين والطائفية والعنصرية وما الى ذلك من الأكاذيب التي يحاول الأمريكان زرعها في عقولنا.. فلينتبهوا لكلامهم لأنهم بذلك سيحققون للاحتلال ما أراده بإبعاد أنظارنا عن أفعاله هو... من خلال تأكيدهم المستمر على مسؤولية إيران عن كل ما يحدث في العراق من هدم وتخريب، فبقدر تأكدنا من صحة ذلك، نذكر بحكمتنا العربية القائلة : أقفل دارك.. تأمن جارك، ونذكر بمن فتح لها الباب لتدخل وتعمل ما تعمله من تقديم الدعم للمليشيات التي تدربت في أرضها على أيدي الاسرائيليين والصهاينة على فن القتل والتعذيب الهمجي وجاءت لتطبقه هنا.. فنحمل مسؤولية ذلك للإدارة الأمريكية نفسها والتي تندد بإيران ومليشياتها من جهة وتدعمها بنفسها وتطلق يدها لتخريب العراق من جهة أخرى؛


نعم فهذا ما تريده الإدارة الأمريكية لصرف النظر عنها وإخلاء مسؤوليتها من التخريب والتدمير الذي يعرضها للمساءلة امام المجتمع الدولي الذي حرصت على الكذب عليه.. فألقت بلومها على إيران لإبعاد النظر عن أفعالها النكراء التي ينتقدها عليها الجميع..
أما لمن يسأل عن ماهية هذا الدعم فنقول ان دعمها كان متعدد الجوانب، ولعل اكبر دعم قدمته كان السماح للقنوات الفضائية بعرض البرامج والأدلة التي توضح التدخل الإيراني في العراق ابتداءً من اعترافات من نجا من القتل بعد نزول اسمه في قوائم التصفيات الصفوية.. وانتهاءً بالمسؤولين العرب الذين يتحدثون عن هذا التدخل.. كل ذلك لإبقائنا في دائرة مغلقة نشكو فيها من إيران وظلم إيران ولا يسمعنا أو ينصفنا أحد.. فإيران كانت تتحين مثل هذه الفرصة لإفراغ حقدها الدفين في العراقيين والعرب دون دليل يدينها كونها غير مسؤولة رسميا عن العراق فما الذي سيدينها إن أنكرت هي جرائمها، وأي إثبات لدى العراقيين إن كانت حكومتهم تغض النظر؟؟، إي إننا سنظل مكتوفي الأيدي لا نملك غير البكاء والعويل الذي لن يأبه به أحد.. فللاميركان والغرب عموما واليهود، الصهاينة خصوصاً، مصالحا كبرى في قتل الشعب العراقي وسكان المنطقة الغربية الرافضين للإحتلال وتهجيرهم من العراق لاستبدالهم بشعب يهودي او موالي لليهود تمهيدا للاستيطان اليهودي وانشاء دولة إسرائبل المنشودة من الفرات الى النيل..
لذلك كله شاركتنا بنفسها بالتنديد بالتدخل الايراني على اعتبار انها ضمن الطرف المتضرر، أملاً بإزاحة أصابع الاتهام التي تحملها مسؤولية ما يجري هنا من مآسي.. وفي ذلك يكمن الخبث الذي ينطلي على البعض لأن الإدارة الأمريكية قد اعتادت على خلط الأوراق.. فعمدت منذ مدة الى التخلص من شعبنا والقضاء على طاقاته وخبراته حتى قبل أن يطأوا بأقدامهم أرضنا.. وما كان فرض الحصار على العراق وشعبه إلا الخطوة الأولى لتشجيع هجرة العقول التي كانت وما زالت ضمن أولوياتهم التي حرصوا على تنفيذها.. فدأبوا على شن الحروب عليه وتوجيه الضربات له الواحدة تلو الاخرى.. فابتدأوا أولاً بتوريطه في حرب قذرة مع جار الشر إيران بغية إضعافه قبل احتلاله.. وانتهوا بكل ما حصل ويحصل لنا من ويلات ومآسي نعلم اليوم دقة تخطيطهم وتنفيذهم لها مع الصهيونية العالمية ومن لف لفها..
إذن فقد جاءت الحرب الإيرانية كوسيلة مبكرة لتدمير العراق وشعبه أولا .. تلاها الحصار الاقتصادي كوسيلة ثانية.. ثم تبعها الاعتداء الأمريكي المعلن بالحرب الأمريكية الأولى عام 90 بإدارة بوش الأب ثم ضربات العام 98 بإدارة كلينتون والتي ختموا حلقاتها باحتلال العراق وتفكيكه.. لنفاجأ أخيرا بأن مسلسل الاعتداء لم ينته بعد فجاء استخدام إيران وميليشياتها ليتوج هذا المسلسل الذي يجبرنا على التساؤل عما تخبؤه لنا الأيام بعد أن صارت الدماء تغطي كل شئ في حياتنا ..
من الملام إذن إن كان كل ما نمر به من سوء هو من تخطيط الاحتلال.. فإيران والإدارة الأمريكية يتعاونان على تطهير العراق من سكانه الأصليين بحجة الحقد على العرب الذي جعل من إيران اليد الضاربة للاحتلال مبعدة إياه عن الصورة.. فالأميركان لو فعلوا ذلك لواجهوا الكثير من المتاعب والانتقادات كونهم أقنعوا العالم بأنهم جاءوا فحررين أصلاً.. لذلك كله استغلوا الحقد الساعي للإبادة وسهلوا له مهمته واكتفوا بدور المتفرج، وحين طالتهم انتقادات المجتمع الدولي كونهم المسؤولين عن أمن العراق الحالي قاموا بتوجيه تهديدهم الى ايران وإلقاء اللائمة عليها، ضاربين بذلك عصفورين بحجر واحد: التخلص من العراقيين دون الظهور بالصورة من جهة، والاحتفاظ بأدلة تدين إيران لاستخدامها ضدها بعد إكمال مسلسلهم والاستغناء عن خدماتها من جهة أخرى..
لذلك يتوجب على كل الساسة والاعلاميين ورجال الدين تفتيح الأنظار والانتباه لهذا المخطط والتركيز دائماً على القاء اللوم على الإدارة الأمريكية وقواتها المحتلة وتحميلها وحدها مسؤولية ما يحصل من قتل للشعب العراقي.. ومطالبتها بوقف الدعم لقتلة العراقين من المليشيات التي يتهموها اعلاميا.. ثم يسارعون الى تنصيب قادتها في الحكومة لحمايتها من غضب العراقي الذي يتعرض لها دفاعاً عن نفسه وبلده من مليشياتهم.. ثم لا يتوانون عن تسمية غضبنا هذا إرهابا يهرعون لقمعه بطائراتهم ودباباتهم..
أما قوات الجيش والشرطة من العراقيين الاصليين فإنهم يتعرضون للقتل اليومي على يد المليشيات أو فرق الموت بالتنسيق مع الاحتلال من زرع العبوات ونصب الكمائن الى التفجير الانتحاري بين متطوعيهم بحجة ان من يفعل ذلك هم رجال المقاومة.... في الوقت الذي أظهرت فيه الأدلة زرع القوات الامريكية للقنابل في المكان الذي يتم جمعهم فيه للتخلص منهم وإبقاء السيطرة بيد المليشيات التي تجوب الشوارع في كل الساعات.. حتى صارت ساعات منع التجوال تزخر بأعمال هذه المليشيات لزرع العبوات والخطف الليلي الذي يرعب الجميع، بعد أن صار الخطف اليوم يعني القتل في اليوم الثاني..
وبنظرة سريعة على الاغتيالات التي تطال الدبلوماسيين والصحفيين ومندوبي المنظمات الانسانية وكل من يسعى لمساعدة الشعب العراقي، بل وحتى مبعوث الامم المتحدة، بينما السفير الايراني والدبلوماسيون الايرانيون يسرحون ويمرحون في بغداد وغيرها من المدن العراقية دون أن يتعرض لهم أحد.. يتأكد لنا ان من يلعب بمقدرات الشعب العراقي المغلوب على أمره هو الاحتلال ويده الضاربة في العراق والمتمثلة بالايرانيين والمليشيات التي تدربت عندهم..
فلينتبه سياسيونا ومفكرونا ورجال ديننا الى هذه الحقيقة المرة للتأكيد عليها في أفكارهم أولاً وخطاباتهم ثانياً.. وليبقى هدفنا الأول انهاء الاحتلال المخطط لكل هذا إن كنا نريد بالفعل تخليص العراقيين من المصير الأسود الذي بات يتهددهم..".