العرب في مفترق الطريق...

لا يمكن لأي محلل سياسي (أو نفسي) أن يعطي تفسيراً منطقياً (أو مقنعاً) لسياسات الأنظمة العربية في قضايانا الوطنية والقومية، سوى إنها عبارة عن ردود أفعال آنية، تأتي في حينها، انعكاساً لموقف أو رغبة خارجية، بمجملها لا تعكس مصلحة وطنية أو قومية عربية، إن لم تكن تضر بهذه المصالح عموماً.. حتى فقدت المنطقة كل خطوط مناعتها الدفاعية ضد الأمراض التي بدأت تنخر في مفاصلها، فبدت آثار ضعفها واضحة جداً في تراجع القضية الفلسطينية، وفي احتلال واستباحة العراق، وفي كل الأزمات التي تعاني منها المنطقة من الخليج إلى المحيط.. والتي تجلّت بأبشع صورها في كارثة حرب لبنان!، تلك الحرب التي فاجأتنا جميعاً بجرائمها وانتهاكاتها وتفاعلاتها المتسارعة، وأدخلت دولنا في مرحلة جديدة هي مؤشر للدور المرسوم للمنطقة في النظام الدولي الجديد.. اصبح لزاماً على الأنظمة استيعابها ومواجهتها بصدق وبدون مواربة.


ولربما لن تمر هذه الأمة بمفترق طريق أكثر وعورة مما تمر به في وضعها الراهن.. ورغم اقتناع كل الأنظمة العربية بمدى حساسية وصعوبة هذا الوضع، سواء على المستوى الوطني أو القومي عموماً، إلا إنها لازالت متمسكة بمواقفها السلبية وسياساتها الخاطئة وكأن كل تلك الصراعات والحروب والانتهاكات تجري في جزر الواق واق الخيالية، وليس على حدودنا وأراضينا وفي مجتمعاتنا. فيا ترى أما آن لنا، في ظل الواقع المأساوي والكارثي العربي الذي نعيشه، أن نتساءل إلى متى ستستمر هذه السياسات البعيدة كل البعد عن أية رؤية استراتيجية محورية؟، بل لماذا هذه السلبية التامة في الموقف العربي الرسمي؟، والتي فُرضت، بالقوة، على الموقف العربي الشعبي؟.. في الوقت الذي باتت بعض القوى الدولية، المتفاوتة في مواقفها تجاه قضايانا، محتارة بالشأن العربي في ظل الصمت والتردد والسلبية العربية التي تقابل الصراعات والاحتقانات التي جعلت منطقتنا الأخطر في العالم!!?..
في كلمته بمؤتمر وزراء الخارجية العرب في بيروت (7 أغسطس/آب 2006) قال الأمير سعود الفيصل "إن طموحاتنا وتطلعاتنا الوطنية والقومية لن تتحقق عبر قوى خارجية إقليمية كانت أو دولية وإنما من خلال إرادتنا وإدراكنا الجماعي لما تمليه علينا مصلحتنا وتفرضه أهدافنا المشتركة. إن الأطراف الخارجة عن الدائرة العربية، مهما كانت خططها وطروحاتها فإن هذه الخطط والطروحات إنما تنطلق من منطلقات ترتبط بمصالح وغايات هذه الأطراف والتي قد لا تتفق مع مصالحنا وأهدافنا بل قد تتضارب مع رؤيتنا القومية ومتطلبات وحدتنا العربية".. ومهما كانت رؤية الوزير السعودي فيما عبّر عنه بهذه الكلمة، تلك الرؤية التي يمكن قراءتها من خلال سياسات بلاده عموماً، إلا إن كلماته جاءت لتُعَبّر أصدق تعبير عن واقعنا العربي المتدهور، مع التذكير بأنها ذات الكلمات التي رددها أخلص النخب العربية والشارع العربي منذ أكثر من نصف قرن، في مواجهة المشاريع الخارجية الطامعة في منطقتنا، دون أن تجد آذان صاغية لدى الأنظمة العربية المرتبطة بالقرار الخارجي ارتباطاً عضوياً، حتى وصل حال الأمة إلى مستوى من الضعف والتدني أفقدها السيطرة على الشأن الداخلي واستقراره، كما أفقدها اعتبارها ومكانتها على المستوى الدولي.
ورغم كل تلك الكلمات والتصريحات المعبّرة عن واقع الحال، إلا إن دولنا العربية إجمالاً لا تزال تعاني من مشاكل سياسية جمة، تراكمت بفعل العزلة التي تعيشها الأنظمة بعيداً عن شعوبها (مخلفات سياسات الحرب الباردة)، حيث تعاني هذه الشعوب من تسلط القرار الرسمي وحرمانها من حقها في المساءلة والتغيير.. وهي ذات السياسات التي جعلت المنطقة العربية الأكثر تخلفاً في مسارات المعرفة والتقنية، والأكثر تبعية للخارج، وبالتالي الأكثر ضعفاً في قرارها السياسي وبحقها في تقرير المصير، والأكثر اختراقاً لسيادتها بالتدخل الأجنبي المباشر سواء بالاحتلال أو في صناعة قرارها رسمياً وشعبياً..
وسؤالنا المباشر لأصحاب السعادة وزراء الخارجية العرب الذين باتوا يتداولون، في خطاباتهم وحواراتهم الصحفية والتلفزيونية، اقتباسات من أجمل الأفكار والنظريات الثورية، ياترى إلى أي مدى هم، كصانعي القرار، ملتزمون بما يطرحون؟.. ولماذا لا يفتحون قنوات حوارية مباشرة مع شعوبهم للتباحث حول تلك الأفكار؟، ولماذا هذه الشعوب بعيدة عن حقها في رسم سياسات بلدانها، وفي الوصول إلى مصادر المعلومات في أوطانها؟، مما جعل الخارج أقرب لها من الداخل..
فهل هناك من فكر عصري يقبل هذا الحوار لتجنب الكوارث القادمة ياترى؟


كلمات دالة: