إيران تصعّد وتهدد... وبريطانيا تؤكد الحل العسكري غير مطروح

لا يكاد يمر يوم واحد، منذ أن تولّى الرئيس محمود أحمدي نجاد قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران، دون أن يتصدّر الموال الإيراني صفحات الجرائد وعناوين الأخبار... "إيران تصعّد المواجهة وتستأنف تخصيب اليورانيوم، وتتحدى إسرائيل وتطالب بإزالتها... واشنطن تهدد بمجلس الأمن، وبريطانيا تؤكد أن العمل العسكري ليس مطروحاً"... ونحن نتساءل يا ترى ما هذه القوة التي تستند إليها إيران في تصعيد المواجهة مع تلك القوة الأمريكية الباطشة والطائشة والعدوانية!... وضد إسرائيل!!، الذراع الطولى للسياسات الأمريكية في المنطقة، والمدعومة بالصهيونية العالمية المتحكمة في سياسات العالم الاقتصادية والاستعمارية عبر آليات وقنوات قديرة وفاعلة؟!...

ولماذا هذا التصعيد مستمر دون أدنى رادع غربي حتى لو كان سياسياً؟!!... وهل فعلاً تحرير فلسطين العربية اصبح من أولويات القيادة الإيرانية؟!!.
منذ أن وضع الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش إيران وكوريا الشمالية والعراق في قائمة "دول الشر" وحتى يومنا هذا، وكل العقوبات والحروب تتجه نحو الدول العربية فقط... الاحتلال العراق، القرارات الدولية ضد سوريا، تهديد أمن المملكة العربية السعودية، قصف الفلسطينيين بشكل يومي.. ولم يصدر قرار واحد ضد إيران، وحتى ذلك القرار الأمريكي بمقاطعة إيران اقتصادياً ليس بقرار شامل ولا يقع تحت طائلة المراقبة الدقيقة أو الشديدة. لقد جاء احتلال العراق بدعوى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل رغم نفي القيادة العراقية وتقارير مفتشي الأمم المتحدة لذلك، وخصوصاً تقرير "سكوت ريتر" رئيس أحد الفرق التفتيشية في العراق، الذي أعلن فيه مبكراً بأن العراق خال من هذه الأسلحة منذ العام 1991، والذي تطابق مع تقرير فريق الكونجرس الأمريكي الذي فتّش العراق بعد الاحتلال. ولازالت التهديدات والقرارات تصدر ضد سوريا رغم انسحابها التام من لبنان، والعالم مقتنع تماماً بأن سوريا في هذه الظروف، كحد أدنى، لن تقوم بمغامرة قتل الرئيس الحريري... هذا مع تأكيد امتلاك إيران للبرنامج النووي وتحديها السافر بتخصيب اليورانيوم، ورغم تأكيد كوريا تحميل صواريخها بالرؤوس النووية باتجاه الدول التي تهدد أمنها...
لم يشفع للعراق كل ما قدّم من تنازلات، ولا تقارير الأمم المتحدة.. ولا ذلك الحصار الاقتصادي اللاإنساني والبشع الذي فرض عليه لمدة ثلاثة عشر عاماً، والذي قتل أكثر من مليون ونصف مليون عراقي بينهم نصف مليون طفل.. ولا جريمة العدوان الثلاثيني الذي دمر كل المصانع والمؤسسات والبنية التحتية العراقية، وجرّبت فيه الولايات المتحدة أحدث وسائل التدمير الحربية في آلتها العسكرية والتي لم يتم تجريب قوتها التدميرية قبل تلك الحرب.. ولا كل ما مارسوه من عدوانية مفرطة باستخدام اليورانيوم المنضب الذي نشر الموت والتشويه الصحي بين الشيوخ والشباب والأطفال والمواليد والأجنة في العراق، والتشويه البيئي في كل الأرض العراقية... لم يشفع للعراق كل ذلك، فقاموا بتدميره وسرقته وتمزيقه في حرب أكثر عدائيةً وحقداً بدعوى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل... لذلك كله يصيبنا العجب لهذا الصبر الأمريكي والإسرائيلي على كل هذا التحدي السافر في الخطاب الإيراني، فهل هو حكمة الصبر فعلاً! أم إن هناك مخطط آخر يشترك فيه التحدي الإيراني مع التهدئة الأنجلوأمريكية في مسرحية جديدة تحاك للمنطقة العربية؟!.
وفي ذلك يمكننا أن نؤكد بأنه لم يعد هناك من شك في التعاون الإيراني الأمريكي والغربي، رغم كل مظاهر العداء الذي تبديه الجمهورية الإسلامية للشيطان الأكبر الأمريكي منذ استلام الملالي لدفة القيادة والحكم في إيران، وخصوصاً بعد ذلك التعاون المعلن بينهما في أشرس حربين شنتهما القوات الأنجلوأمريكية على الإسلام في أفغانستان والعراق، فانكشفت السياسات الإيرانية المعادية للعروبة وكل المذاهب الإسلامية المخالفة للتشيّع الإيراني، بعد أن أغدقت بمساعداتها وفتحت أراضيها لتسهيل مهام القوات الأنجلوأمريكية لقتل المسلمين وتدمير بلاد الإسلام.
في برنامج زيارة خاصة (http://www.aljazeera.net/channel/aspx/print.htm) على قناة الجزيرة سأل مقدم البرنامج ضيفه السيد أبو الحسن بني صدر، الرئيس الأول لجمهورية إيران الإسلامية عما إذا كان هناك علاقة أو اتصالات شبه سرية بين الإدارة الأمريكية والخميني!؟. رد الرئيس بني صدر قائلاً بالنص "لم تكن هناك علاقات متينة، بل مجرد اتفاقات..." واسترسل قائلاً "جاء موفدون من البيت الأبيض للخميني في (مافلي شاتو)، منفاه في فرنسا، واستقبلهم آنذاك إبراهيم يزدي، الذي كان وزير الخارجية في حكومة مهدي بازركان، في طهران عقد اجتماع ضم السفير الأمريكي من جهة، ومهدي بازركان الذي أصبح رئيساً للوزراء، وموسوي أردفيلي، أحد الملالي الذي أصبح بدوره رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، خرج المجتمعون باتفاق يقضي بأن يتحالف رجال الدين والجيش من أجل إقامة نظام سياسي مستقر في طهران"... وفي تعليقه على بعض الصور التي عرضت أمامه في البرنامج، أشار إلى صورة أحدهم قائلاً "هذا أحد مستشاريّ في السياسة، لقد أُغتِيل، كان يعرف الكثير عن أسرار العلاقة بين رجال الدين والمخابرات الأمريكية"، فكرر مقدّم البرنامج سؤاله مرة أخرى "هل كانت هناك محادثات كثيرة بين الملالي والأمريكيين سرياً؟"... فجاء جواب الرئيس الإيراني مؤكداً "نعم، نعم، كانت هناك لقاءات كثيرة أشهرها لقاء أكتوبر المفاجئ، والذي جرى هنا في باريس، ووقعت اتفاقات بين جماعة (ريغان) و(بوش) وجماعة الخميني"، مؤكداً بأنه يمتلك الوثائق التي تثبت ذلك. وفي رده على سؤالٍ عما إذا كان الخميني قد تحدّث معه حول العلاقة مع دول الجوار العربي، وخصوصاً دول الخليج العربي، "وهل كانت لديه أطماع في التقدم عسكرياً تجاه هذه الدول من أجل تصدير الثورة، مثلاً"... أجاب الرئيس بني صدر قائلاً "لم يحدّثني بهذا الموضوع، ولكن كان هناك مشروع آخر، كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج (الفارسي) للسيطرة على بقية العالم الإسلامي، كان الخميني مقتنعاً بأن الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك، قلت له: إن الأمريكيين يخدعونك، ورغم نصائحي له ونصائح الرئيس عرفات –الذي جاء يحذره من نوايا الأمريكيين- فإنه لم يكن يريد الاقتناع"...
واليوم، وبعد ما نراه من دور إيراني في العراق لم يعد هناك من شك إن علاقات الجمهورية الإسلامية بالشيطان الأكبر الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً ليست بجديدة، وإن مشروع تصدير الثورة الإيرانية منذ بداياته، مدعوم بهؤلاء الحلفاء الأقوياء فتقاطعت الأهداف الصليبية والشعوبية ضد العروبة والإسلام، لذلك لم تهدأ المنطقة العربية من الحروب والصراعات الطائفية والتهديدات الأمنية منذ استلام هذه الثورة لزمام الحكم في إيران. ولأن الثورة فقدت كل مصداقيتها بعد شيوع مظاهر انحرافها عن الأهداف الوطنية والإسلامية، وانكشاف حقيقة السياسات والممارسات الإيرانية الطائفية، انحسر عنها تعاطف وقبول وتأييد قاعدة واسعة من المثقفين العرب والمسلمين، فجاء الرئيس الإيراني (الذي لا يملك رصيداً في البنوك!؟)، في هذا الوقت بالتحديد ليكسب بما هو معلن من سيرته "الشعبية" وبتصريحاته النارية، التي يقدم بها تضحيات إيران الشفهية في سبيل فلسطين!!، تأييد الشارع العربي للثورة "الإسلامية!" ويجدد الدعمً لمشروع تصدير الثورة الممتد إلى أقاصي الوطن العربي؟!...
وما نحذر منه، هو أن يقابل التصعيد الإعلامي الغربي الجديد ضد إيران، حربٍ أنجلوأمريكية ضد سوريا، تكراراً للحالة العراقية.