ما لا يمكن السكوت عنه، في الجزء الثاني من حوار مرتضى بدر

في ردنا السابق على الحلقة الأولى من حوار السيد مرتضى بدر مع صحيفة "الوطن"، تجاوزنا الإشارة إلى الإساءة التي توجه بها إلى شخص الزعيم العربي ياسر عرفات، في روايته لأحداث دارت بينهما، وبين أبو عمار وأحمد الخميني، رغم عدم إسناد السيد بدر حديثه بأية وثيقة تدعم مصداقيته، مدعياً بذلك في إنه أحد (أبطال) تلك الروايات، وذلك ما يُدعى بحديث المجالس واستعراض البطولات لإبهار البسطاء من الناس!?


إلا إن السيد بدر، رئيس المجلس البلدي لبلدية عاصمة البحرين، عاد في النصف الثاني من حواره مع صحيفة "الوطن" البحرينية (عدد يوم السبت 4 مارس 2006)، إلى ذكر إساءات أكثر خطورة للشأن العربي عموماً، والشأن الفلسطيني خصوصاً...وإذ إن تاريخنا العربي قد عانى كثيراً، وعلى مدار العصور، مما نُسِبَت إليه من أكاذيب بواسطة أعدائها التاريخيين، ولأن التاريخ هو ما سنتركه لأبنائنا وأجيالنا القادمة، نرى إنه لا يمكن أن يسكت أي عربي شريف على ما ينسبه مرتضى بدر من إساءات إلى الأمة العربية في مسار استعراضه لبطولاته (النضالية) التي قدمها في خدمة إيران والثورة الخمينية خلال أكثر من عشرين عاماً قضاها في منفاه الاختياري متنقلاً بين إيران ودول أوروبية وعربية وأفريقية، حسبما يدّعي في ذلك الحوار.
بأسلوب دعائي رخيص، وبدون أية مناسبة، أقحم مرتضى بدر، النص التالي في سياق ذلك الحوار قائلاً: "سأكشف سراً أن ياسر عرفات هو أول من أطلَع القيادة الإيرانية على قرار الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بالهجوم على جزيرة أبو موسى واحتلالها، بحجة أنها جزيرة عربية تمهيداً لشن الحرب على إيران. وقيل أن عرفات اقترح على القيادة الإيرانية تخصيص موارد نفط الجزيرة للثورة الفلسطينية لتفويت الفرصة على صدام وإفشال خطته، إلا أن بعض المسئولين الإيرانيين رأى في المقترح مكراً بغية الحصول على المال، والبعض الآخر ثمّن هذا الموقف، معتبراً إياه دعماً للثورة"...
وفي معرض ردنا على تلك الأقاويل، نؤكد التالي، أولاً: إن الخطة العراقية، التي وضعت بعلم دول خليجية، للهجوم على جزيرة أبوموسى في أثناء فترة الحرب الإيرانية العراقية، كانت لتحريرها من الاحتلال الإيراني وليس لاحتلالها، لأن هذه الجزيرة عربية وليس "بحجة إنها عربية"، وهي تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم إننا لسنا في وارد إثبات عروبتها بما تزخر به بطون كتب التاريخ إلا أنه للمزيد من العلم نذكر، باختصار شديد، بأن مضيق هرمز كان للعرب وضمن سيطرتهم على مدار التاريخ، ولم تتحكم به قوى غير عربية حتى العام 1507م، عندما تمكّن البرتغاليون من احتلاله، بمساعدة الشاه اسماعيل الصفوي، الذي كان يطمح للحصول على دعم البرتغاليين في التوسع نحو الأراضي العربية التي كان يهيمن عليها العثمانيون في ذلك التاريخ... ومنذ ذلك العهد، ولأسباب تكالب الطامعين على المنطقة، لم يتمكن العرب من إرجاع سيطرتهم على المضيق، إذ استعمره بعد ذلك الهولنديون، وثم البريطانيون... إلى آخر القصة التي نعيش أحداثها اليوم. وثانياً: رغم علمنا المسبق بمعلومات كثيرة حول القرار العراقي المذكور، إلا إننا خلال الأيام الماضية، راجعنا معلوماتنا مرة أخرى بالاتصال مع عدد من الشخصيات ذوي العلاقة المباشرة بحيثيات ذلك التاريخ وبحقيقة خطة الهجوم المذكورة على جزيرة أبوموسى، تأكدنا بما لا يدع مجالاً للشك إن التهمة التي وجهها السيد بدر إلى الزعيم ياسر عرفات، محض كذب وافتراء، وخصوصاً، بعد تعرفنا على الطرف الذي كشف أمر الهجوم، وأسباب كشفه. إلا إننا، وحفاظاً على مصداقيتنا، نربأ على أنفسنا نشر حقائق نعرفها شخصيا،ً قبل أن نمتلك بين أيدينا مستندات مادية موثقة، تدعم صحة ما ننشر، وإلى ذلك الحين نؤكد بأن الزعيم والقائد العربي ياسر عرفات برئ مما ذكره مرتضى بدر، في رواية باطلة يراد بها باطل.
ونتقدّم هنا بالعتب الشديد على زملائنا وإخواننا الشرفاء في صحيفة الوطن، لنشرهم تلك الأباطيل المسيئة لتاريخنا دون أن يوضحوا للقارئ بأن الحديث غير مدعوم بأسانيد موثقة، وخصوصاً مع عدم إمكانية التحقق من الطرفين المعنيين بالحدث المذكور (أبو عمار فارق الحياة، والقيادة العراقية تقبع في سجون الاحتلال الأمريكي).
ورجوعاً إلى ذلك الحوار، يقول السيد مرتضى بأنه في عام 1980 تمكّن من الهروب "قبل الاعتقال بساعتين"، بناءاً على "اتصال من أحد الأخوة" يحثه على الهروب وينبهه بأن "قوات الأمن في طريقها إليك"، حيث توجه مباشرة إلى المطار، وغادر إلى دبي ومن ثم إلى إيران بعد أن التحقت به عائلته في اليوم التالي... ويؤكد قائلاً "ولم أعد إلى (الوطن) إلا بعد الحركة الإصلاحية التي قادها جلالة الملك في فبراير 2001"... ونتساءل، يا ترى من هو أحد الأخوة الذي كان يملك المعلومات بأمر اعتقال السيد بدر، وأنقذه بتلك المكالمة الهاتفية؟، وياترى كيف يتوجه الأمن لاعتقال متهم بتدبير حركة انقلابية في البلاد دون أن يعمم أسمه على جميع المطارات والموانئ والمنافذ الحدودية الأخرى، لعدم السماح له بالهروب؟، وكيف تمكّنت عائلته من الهروب في اليوم التالي دون أن يتم منعهم للحفاظ على عدالة التحقيق؟... وياترى لماذا لم يتم الحفاظ على سرية أسماء قواعد هذا التنظيم السري، وتُركَ المئات من الشباب البحريني الصغير (البحارنة) ليلقوا مصيرهم المُظلم في المعتقلات، ويقضوا فيها ما بين 5-10 سنوات، محرومين من إكمال تعليمهم والحياة الهادئة في كنف عائلاتهم، حيث ماتت بعض الأمهات حسرة على أبنائها في تلك الأيام البغيضة، بينما قياداتهم من (العجم) خرجت لتعيش بين مدن أوروبا لنشر الدعوة الخمينية، وخدمة مصالح إيران ومشروع تصدير الثورة الإيرانية في العالم (تحت شعار دعم حركات التحرر العالمية)؟، علماً بأنه إذا تم كشف القواعد بالصورة التي عشنا وقائعها في الثمانينيات، فمن المؤكّد أن أسماء وأدوار القيادات الهاربة، التي يعد السيد مرتضى أحدهم، كانت واردة وواضحة، ورغم ذلك لم نسمع بأحكام صدرت في حقهم؟!.
يسترسل السيد مرتضى كلامه إلى نهاية الحوار ليصف عمله الحثيث في المنفى لمدة 21 عاماً في خدمة الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، الموالية للحركة الشيرازية المعروفة بالتطرف والعنف والقسوة ضد معارضيها، والولاء الشديد إلى الثورة الخمينية والقومية الفارسية... وبكل إصرار ووضوح يعرب السيد مرتضى بدر عن ارتباطه بهذه الحركة والجبهة التي من أهم أهدافها نشر الفكر الخميني وكسب الشباب العربي إلى صفوفها... وما قدّمه السيد بدر من خدمات لإيران الثورة والدولة، يعد أهم فصول تاريخه (النضالي)، الذي يتباهى بأنه عمل خلالها ضد العرب والعروبة، مع الإصرار على إن مشاركتهم في القتال مع إيران ضد العراق في الحرب الإيرانية العراقية كانت من مواقفهم المشرّفة، إذ يعتبر إن من حقهم الوقوف مع الشعب الإيراني عاتباً على الدول الخليجية دعمهم للعراق في تلك الحرب... فياترى هل هناك أكثر من هذا الاعتراف بتمثيل السيد بدر للدولة والثورة الإيرانية على أرض البحرين التي لا يؤمن بأنها أرض عربية وشعبها جزء من الشعب العربي، الذي يجب أن يلبي نداء الأمة في الجهاد عن حدودها وأمنها؟... ورغم ذلك لم يتم التعرّض للسيد مرتضى بدر أمنياً، واستمر لفترة 21 عاماً يمارس نشاطه ضد البحرين متنقلاً بين دول العالم في حرية كاملة، ولم نسمع بأي حكم أو ملاحقة تستهدفه ورفاقه، على عكس ما حدث، على سبيل المثال، للمعارض الإيراني الكردي عبدالرحمن قاسملو وثلاثة من رفاقه الذين قُتلوا في عام 1992 بظروف غامضة في برلين، حيث كانوا يعيشون كمعارضين للنظام الإيراني؟... ألا يدعو ذلك للشك والتساؤل، حول الجهة التي وفّرت للسيد بدر الحصانة والموارد المالية التي مكّنته من العيش أكثر من عقدين من الزمن بحرية تامة والتنقل حسب متطلبات ودواعي الثورة الخمينية؟.
وفي الجانب الآخر، يكشف السيد بدر، في حواره، عن السياسات الحالية للجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، والتي لخصها في دعوته للتمسك بمبدأ "خذ وطالب" التي يدعو لها مُنَظّر حركتهم هادي رهبر بور (المدرسي) "من معقله في العراق" حسب تعبير السيد بدر... وهكذا نرى إن هذا المبدأ (خذ وطالب) الذي جاء لأول مرة على لسان "كارل ماركس" إلى عمال العالم، أصبح هو التكتيك المرحلي الحالي الذي يعمل به اليوم السيد بدر وتنظيمه في البحرين، ويطالب رفاقه وقواعده في جمعية "الوفاق الإسلامية" البحرينية للعمل به، في هذه المرحلة من المراحل الخمسة في الخطة الخمسينية لمشروع تصدير الثورة الإيرانية.
وحسب أدبيات المنظمات الإيرانية السرية، التي وقعت في يد المقاومة العراقية وتم كشفها على مواقع الإنترنت، فإن العمل ضمن المرحلة الجديد يتحدد كالتالي: "في البدء أن نحسن علاقاتنا مع دول الجوار، ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسِّن علاقتنا مع العراق بعد الحرب؛ وذلك أن إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد. إن الهدف هو فقط تصدير الثورة؛ وعندئذ نستطيع رفع لواء هذا الدين الإلهي وأن نُظهر قيامنا في جميع الدول، وسنتقدم إلى عالم الكفر بقوة أكبر، ونزين العالم بنور الإسلام والتشيع حتى ظهور الإمام المهدي الغائب عجّل الله فرجه". وهذا النص هو ما يفسّر توزيع أدوار الجماعات والأفراد الموالية لمشروع الثورة الإيرانية في البحرين، ما بين منظمات سياسية بعيدة عن العنف، وأعضاء في المجالس المنتخبة، وجماعات في السلك الحكومي ومقربين من أعلى القيادات الرسمية، وبين جماعات العنف والفوضى التي تعد أكثرها وضوحاً في الشارع البحريني (حركة الحق)... وبنظرة فاحصة إلى هذه الخريطة التنظيمية نجد إن كل تلك الفئات قد أخذت أماكنها بإحكام شديد، وتمارس عملها بمنهجية مدروسة، وما يراه المراقب العادي هو فقط ما يظهر على السطح من خلال أولئك الشباب المغرر بهم لممارسة العنف والتطرف الاعتصامات وإتلاف المرافق العامة ونشر الفوضى وتجاوز القانون وضرب الاقتصاد الوطني وزعزعة الأمن، وقتما وحيثما وكيفما شاء وخطط له المحرضون (القيادات) القابعون في دورهم ومقارهم، وكل ذلك بدعوى المعارضة السياسية والمطالبات الدستورية والقانونية... فيا ترى أين موقع السيد بدر في تلك الخريطة الجديدة من تصدير الثورة الإيرانية في البحرين، في مرحلة "خذ وطالب"؟، إذا علِمنا إن المعارضات الوطنية تبني أوطانها وتحافظ على هويتها وسيادتها، ولا تعمل على هدمها والتحالف مع الأجنبي ضدها، وتدميرها اقتصادياً وتفتيتها طائفياً وتدهورها اجتماعياً...
وأخيراً، فإننا نسأل أبنائنا الشباب المغرر بهم، والذي سيتم التضحية بهم في نهاية المرحلة التي هم أدواتها وآلياتها التي تُدفع إلى الشارع في مسلسلات العنف والتدمير... نسألهم، إلى متى سيتم استغفالكم واستخدامكم كوقود لحرق بلادكم، ولخدمة مصالح أعدائكم؟...
ونسأل أولياء أمورهم، ألا ترون عجلة التاريخ يعود بمشاهد الثمانينيات، بكل ما حملتها تلك المرحلة من استغلال لأبنائكم، الذين دفعوا الثمن غالياً ليجني الآخرون الثمار؟...
ونسأل القيادة البحرينية، يا ترى ما هي استراتيجياتكم في مواجهة أخطر تهديد يواجه سيادة وهوية وأمن واستقلال ومستقبل البحرين شعباً وقيادة؟...