المثقف الداعية، وميليشيات الفكر (1)

في كتابه "نهاية الداعية" يؤكد المفكر العربي عبدالإله بلقزيز على إفلاس الداعية المثقف الذي ظن إنه قادر على تغيير العالم، فإذا به عاجز عن تغيير نفسه، مما دفعه إلى تكوين "ميليشيات فكرية" خانت الحداثة والحرية معاً. وفي هذا السياق للمفكر الفرنسي، ريجيس دوبريه، كتابات يشترط فيها على المثقف أن يعود إلى جحره ليتأمل العالم ويكف عن الإدلاء بدلوه في الشأن العام...
يا ترى إلى أي حد تنطبق هذه الرؤية على المثقفين العرب؟... فهل هناك من يملك إجابة على هذا السؤال؟... لربما نحصل على إجابة في نهاية هذا المقال.
يعيش العرب، منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهي مرحلة ما بعد الاستعمار، عدد كبير من الأزمات والتحديات المعقدة، المتزامنة، والمتتالية، ما لم يعشها أي جيل عربي سابق، على مدار تاريخ هذه الأمة. ويبدو إن الفشل الذريع الذي حققه العرب، على مدار هذه العقود، في مواجهتهم لتلك الأزمات والتحديات، أدت بعالمنا العربي إجمالاً إلى الوضع الراهن الذي لا يحسد عليه.


واليوم، يعيش العرب أحد أخطر الأزمات فيما تواجهه الشخصية العربية الإسلامية من هجوم شرس، لم يسبق له مثيل، بتهمة الإرهاب والعنف الدموي والعدائية، وخصوصاً منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، تلك الأحداث التي لازالت مبهمة وغامضة لكل العالم، والتي تعاملت معها الولايات المتحدة الأمريكية بأسلوب أثار العديد من علامات الاستفهام، بدءاً من التعتيم الإعلامي الذي فرضته حول مواقع الأحداث ومصادر المعلومات وأسلوب التحقيقات، وانتهاءاً باتهامها، بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من بدء التحقيقات، لمجموعة من الشباب العربي الهواة، بقيادة الطائرات وإدارة هذه العمليات البالغة التعقيد، التي اخترقت الأمن القومي الأمريكي وهددت السلام العالمي، وما رافق ذلك من إعلان الإدارة الأمريكية عن احتفاظها بحق الرد والانتقام ومعاقبة "الجناة". ولكل ذلك الغموض الذي لازال يلف تلك الأحداث، قامت مؤسسات إعلامية وبحثية كبرى بمهمات التحقيق حولها، وبدأت بعض من تلك المؤسسات بنشر شيء من تقاريرها التي تؤكد كذب الرواية الأمريكية حولها. يذكر الباحث الفرنسي تري ميسان الكثير من التفاصيل العلمية والمباحثية في تحقيقاته حول هذا الموضوع، والتي نشرها في كتابه الشهير "الخديعة الكبرى" مؤكداً إن انهيار برجي التجارة الدولية في نيويورك بالصورة التي حدثت لا يمكن أن يكون بسبب اختراق الطائرتين، وعدّد الأسباب العلمية والهندسية الخاصة بهذا التحليل، وإن الانهيار تم بسبب انفجار العمود الأساسي الذي يحفظ توازن البنايتين هندسياً، بفعل كميات من المتفجرات تم زرعهما بتوزيع خاص في داخل البنايتين، مما سبب ذلك الشكل من الانهيار الذي راقبه العالم أجمع. وفي تقارير بحثية علمية صادرة عن مؤسسة ون ورلد ميديا (One World Media) في ألمانيا، إثباتات بالأدلة والبراهين، تذكر على سبيل المثال، أن الهجوم على وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، في 11/9/2001 كان بواسطة صاروخ أمريكي هو نفس الصاروخ الذي استخدمته الطائرات الأمريكية لقصف ملجأ العامرية في بغداد عام 1991، ولم يكن بفعل طائرة، حسب ما تدعي إدارة البيت الأبيض. وفي ذلك يطول الشرح والتفصيل.
ضمن هذه الإشكالية المثيرة لأكبر الشكوك والاحتمالات التي لا يمكن لعقل مثقف إلا أن يثيرها منذ اللحظات الأولى لتلك الأحداث، التي لازالت في طور البحث والتقصي والتعتيم، مما يفقد الثقة في مصداقية الروايات الأمريكية، وفي ظل انعدام المصداقية الأمريكية أصلاً (الحرب على العراق بكل حيثياتها كدليل)، ومع كل ما تبع تلك الأحداث من تطورات كان العرب أكبر الخاسرين والمستهدفين بها على جميع الأصعدة، من خلال كل المشاريع الأمريكية التي طرحت للمنطقة منذ ذلك التاريخ، بدءاً بمشروع القرن الأمريكي الجديد، ومبادرة الشرق الأوسط المجتمعية التي سخّرت لها الولايات المتحدة الملايين من الدولارات لتغيير الهوية والثقافة العربية والإسلامية وتكريس تبعية مجتمعاتنا التامة للسياسات الاستعمارية القمعية، والحرب على أفغانستان والعراق واحتلالهما، وانتهاءاً بمشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي التفتيتي الواضح المعالم والأهداف... رغم كل هذه التفاعلات التي بدت على أرضنا العربية في أقسى وأبشع المشاهد العدوانية والدموية مترافقة مع ازدواجية المعايير الدولية المستنفذة لمصالحنا وكل مفاصل القوة في بلداننا، رغم كل هذا الواقع العربي الأسود الذي لا يمكن أن يقبله أكثر المجتمعات بدائيةً في العالم، إلا أن المثقف العربي (الداعية) استمر يزداد ضعفاً وهشاشة وتخاذلاً غير مسبوقين في تاريخ هذه الأمة.
في ظل كل هذا الضعف، أعلنت الغالبية المثقفة (الداعية) العربية عن تحولها إلى أبواق أمريكية، تدعو لضرب مصالحنا، وتتحول إلى أهم أداة في استراتيجيات الإعلام الغربي الذي لم يبذل جهداً كبيراً في إقناعهم بلبس الدور الإعلامي المطلوب ليؤكدوا للعالم إن العرب المسلمين، أبناء جلدتهم، هم المسؤولين أولاً وأخيراً عن أحداث 11/9، مصرين إن على هذه الأمة اتباع الوصفة الأمريكية (الدموية) للتخلص من هؤلاء (التكفيريين) المتطرفين المخربين لحضارة العصر والمستقبل، وعلى العرب أن يتحلوا إلى الفكر الإيجابي في نظرتهم إلى كل المآسي الدموية ومشاهد قتل الشعب العربي بدم بارد، أطفالاً ورجالاً ونساءً، لعل وعسى يتم قبول هؤلاء الدعاة الجدد في خدمة الحضارة الغربية (الديمقراطية) المعاصرة.
هؤلاء (الدعاة) يسوّقون سلوك التبعية بمصطلحات هذا العصر الأمريكي الكئيب الذي نعيشه، الموضوعية والواقعية والشفافية والبراجماتية والحداثية والليبرالية و... و... و... وأخيراً الديمقراطية المغبونة. مصطلحات العولمة كما حُرّفت بكل المفاهيم المسفهّة للقيم الإنسانية، لتُسَخّر في خدمة النظريات الاستعمارية الجديدة. فأفرط هؤلاء الدعاة في تسفيه مفاهيم السيادة الوطنية وقوة الرابطة والانتماء القومي، عسى أن يحصلوا على حظوة الاعتراف بهم في صفوف المتمدنين المستهلكين لمصطلحات العصر الأمريكي. فتحولوا، بكل سطحية وهامشية وابتذال، إلى دعاة نصرة الجرائم الأمريكية، بدعوى اللاحدود واللاسيادة للأوطان واللاثوابت في قيم ومبادئ الشعوب واللاايديولوجية في الانتماء والفكر، بعد أحداث 11/9 (المروعة)، التي يصرون إنها بفعل (العرب المتخلفين، والمسلمين التفكيريين)، متجاهلين، أو غير مدركين، أن هذه الأحداث ومئات غيرها يتم التعامل بها بواسطة ماكينة إعلامية على درجة عالية من التقنية، مسترشدة بمبادئ واستراتيجيات إعلامية تم اختبارها والتأكد من مدى نجاحها، لتحقيق ذلك الهدف النهائي المرسوم في استراتيجيات الهيمنة على هذه المنطقة الفائفة الأهمية جيوسياسياً، واقتصادياً.
وبعد ذلك، ألا يستحق هؤلاء الدعاة دعوة المفكر الفرنسي، ريجيس دوبريه، بأن يعودوا إلى جحورهم ليتأملوا العالم ويكفوا عن الإدلاء بدلوهم في الشأن العام؟...
تابعوا في المقال القادم "المبادئ العشرة الأساسية للدعاية الحربية"، في إعلام الغرب...