بين تصريحات كوفي عنان.. والموقف العربي

بعد انتهاء زيارته للشرق الأوسط، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، السيد كوفي عنان، من مكتبه في واشنطن (16/8/2006)، إن كل القيادات والنخب العربية الذين التقاهم في المنطقة أكدوا بأن إجتياح العراق كان كارثة وإن العراق المدمر يقترب من حرب أهلية طاحنة، وإن القوات الأمريكية هناك في وضع سيء، يجعلها غير قادرة على البقاء أو الانسحاب..
وقبل أيام معدودة من هذه التصريحات أصدر الكونغرس الأمريكي تقريره عن الحرب على العراق ليؤكد مجدداً إن العراق لم يكن يملك أي نوع من أسلحة الدمار الشامل، سواء النووي أو الكيمياوي أو البيولوجي، ولم يكن للعراق أية علاقة بأحداث 11 سبتمبر 2001، وإن النظام العراقي كان على خلاف أيديولوجي مع القاعدة كما كان حريصاً على عدم تواجدها على أراضيه..
ومباشرة قبل هذا التقرير الأخير أصدر البنتاجون تقريراً عن وضعهم العسكري في العراق ليؤكد بأن كل عوامل الحرب الأهلية باتت حاضرة لنشوب حرب أهلية طائفية هناك، وكأنه يؤكد بأن الأمر بانتظار إطلاق إشارة البدء..


كل هذه التقارير الخطيرة والهامة ظهرت في فترة واحدة، وتداولها الإعلام الغربي المكتوب والمسموع والمرئي على مدى أيام، ولم نجد لها أي صدى أو رد فعل إعلامي أو رسمي أو شعبي عربي، بينما كان لهذه الأطراف العربية دور كبير في بسط الطريق للإجتياح وتثبيت ركائز الإحتلال وعملائه في العراق..
كان للأنظمة العربية دور فاعل في تسهيل الإجتياح الانجلوأمريكي للعراق، ولازالت الأراضي العربية مفتوحة لمساعدة قوات المحتلين العسكرية والطبية واللوجستية وغيرها.. ولازال الإعلام العربي مسترسلاً في بث الأكاذيب التي استعان بها المحتلون لتدمير العراق.. ولازالت بعض الأقلام العربية تدعو العراق المدمر بـ "العراق الجديد"، وتدعو الحرب الطاحنة على أرضها، التي بات ينعق على أطلالها الغربان، بـ"الديمقراطية" القادمة مع الدمار المسمى بـ "الفوضى الخلاقة"، في ترديدٍ ببغائي لبعض الكلمات التي نطق بها السيد رامسفيلد والآنسة رايس..
من الطبيعي والمتوقع إنعكاسات الآثار السلبية للإحتلال والحرب الطائفية الطاحنة التي تدور رحاها في العراق على بلدان الجوار، بينما إن كان لذلك الاحتلال أية إيجابيات إقتصادية بحتة فستكون من نصيب تلك الدول البعيدة التي جاءت كمحتل لتشفط النفط والثروات.
لقد بدت تتضح آثار الاجتياح والاحتلال في بلداننا العربية كلها، وخاصة في الخليج ولبنان وسوريا، بدءاً من ذلك الاقتتال الطائفي الذي تتزعمه مليشيات مدربة عسكرياً ومشحونة عقائدياً، والذي بات مصدراً للنعرات والاصطفافات الطائفية في بلداننا.. مروراً بحالة الفقر والبطالة والتفكك المجتمعي وانتشار المخدرات والجرائم التي اشاعها الاحتلال في المجتمع العراقي والتي ستكون امتداداتها إلى المجتمعات العربية مبرمجة وسريعة وكارثية، وأنتهاءاً بتسليم المحتلين العراق لإيران وما سيترتب على ذلك من قيام نظام ولاية الفقية في الجنوب رغم كل ما نشأ وسينشأ من هذا الوضع الجديد من مخاطر مباشرة تبدأ بمحو هوية العراق العربية ولن تنتهي بتهديد سيادة دولنا داخلياً وخارجياً.
ولاستيعاب ما يجري في الجنوب العراقي، علينا بالرجوع إلى قراءة تاريخ عربستان، والسياسة البريطانية القذرة التي سلّمت هذه الأرض العربية المستقلة، بكل آبارها النفطية الثرية وموانئها الحيوية، إلى إيران في عام 1925، وهي ذات السياسات التي تتبعها بريطانيا اليوم في تقسيم العراق وتسليم الجنوب العراقي وكل آباره النفطية إلى إيران.. وكأن التاريخ يعيد نفسه..
في ظل وضع سوداوي ومأساوي كهذا الذي نعيشه في منطقتنا، والذي لم يعد خافياً على كل القيادات العربية، ياترى هل تملك هذه القيادات استراتيجية واضحة في مواجهة ما يتم ترتيبه في كواليس السياسات الاستعمارية الخفية ضدنا؟..
وهل تملك رؤية لمنع انهيار العراق ودعم الشعب العراقي للوقوف سداً منيعاً ضد الأهداف الجديدة التي تُلَمّح لها تصريحات السيد عنان، وهي إحتمالية تدويل العراق "لمنع أنهياره"، كما يتم تدويل الجنوب اللبناني بجيش دولي من خمسة آلاف جندي بكل عتاده وآلياته وصلاحياته القتالية؟..


كلمات دالة: