ليلى فخرو.. سيدة من الزمن الجميل

انتشر اسم ليلى فخرو في كل الوسط الطلابي البحريني والعربي، في مرحلة السبعينات، كما لم ينتشر ويشتهر اسم في تلك المرحلة، التي كان فيها العمل النقابي الطلابي ملازماً للعمل السياسي بكل فروعه النضالية، بدءاً من المسيرات والمظاهرات وانتهاءاً بحمل السلاح والعمليات الفدائية ضد المستعمِرين، مروراً بالندوات والمؤتمرات والعمل الثقافي والتوعوي المتواصل.. إذ كانت ليلى أول إمرأة خليجية مناضلة، تلتحق بالثوار في جبهة ظفار جنوب شبه الجزيرة العربية، لتساهم في المعركة الكبرى ضد الاستعمار بكل أصنافه..
إلا إنني لم اتعرف، شخصياً، على هذه السيدة العظيمة إلا في البحرين عام 2001 عندما اتصلت بي صباح أحد الأيام لتقول لي "أحببت أن أتعرف على الكاتبة التي اجد نفسي في مقالاتها، في زمن أشعر فيه بالغربة..."، فكان شرفاً لي أن التقينا بعد أقل من ساعة واحدة، ليدور بيننا حوار طويل لم اشعر به للحظة واحدة بأنه كان اللقاء الأول معها..


ملكت ليلى فخرو روحاً متسامية تشع منها حرارة الحياة ودفئها، وكلمات صادقة تبعث بالحماس والقوة.. وعاشت هذه السيدة نمط حياة يعد مثالاً حياً لنكران الذات الذي بات غريباً على وعي وثقافة هذا العصر، فكيف إذا كان نكران الذات هذا مرتبطاً بالطموح والأماني الكبرى للوطن والأمة دون الأنا والعائلة كما عاشته ومارسته وناضلت من أجله هذه السيدة النبيلة..
أضافت ليلى فخرو بتاريخها المتميّز، بحق وجدارة، رافداً عميقاً في تاريخ المرأة البحرينية والعربية، ورافداً أكثر عمقاً في معاني النضال والصدق مع الذات وقوة التحمّل في سبيل المبدأ والوطن.. فعاشت ليلى فخرو للوطن والأمة طوال حياتها، حتى تغيّر الوطن وضعفت الأمة لتجد نفسها غريبة في عصر الإنكسار هذا الذي نعيشه، فرفض جسمها مواصلة العيش على الأرض، وغادرتنا ليلى إلى العالم الآخر، حيث الحب والمحبة، والأمان الأزلي.. وستبقى روحها تتابع معنا ما انقطع من حياتها الواعية على الأرض.. وتبقى سيرة حياة ليلى فخرو، لكل الأزمان، مثالاً لمعاني الزهد والجمال والتسامح، والروح المنعتقة من أطماع الدنيا وطغيان الجشع والأنانية..
فإليها نقدّم محبتنا ودعائنا بالنعيم في جنان الصادقين الأمينين..
وإلى ذكراها وإنسانيتها وتاريخها نقدّم إخلاصنا ووفاءنا..
وإلى رفيق دربها وتوأم روحها المناضل عبيدلي العبيدلي، الذي بقي لصيقاً بها وساهراً على رعايتها حتى آخر لحظة من حياتها، نقدّم عزاؤنا.. ونحن نستقبل العزاء في ليلى فخرو..
وكلمتنا الأخيرة نقدّمها إلى من يهمه توثيق تاريخ البحرين ومنطقتنا العربية أن لا يتجاهل دور ليلى فخرو الإنساني والسياسي في مرحلة المد التحرري، وأن يوثقوا سيرة نضالها الصادق في سبيل استقلال الوطن من الاستعمار والهيمنة، وخلاص الأمة من العبودية والأمية..
ورجائنا من هذا الوطن العزيز، أن يوفيها حقها، كما يُوفيه لكل المناضلين... من حق ليلى فخرو على الوطن أن يُخَلّدَ ذكراها في نصب تذكاري أو يُطلَق إسمها على أحد شوارع العاصمة، كأول إمرأة بحرينية وخليجية رائدة في العمل السياسي والوطني إلى آخر يوم في عمرها القصير.. وهي من تستحق هذا التخليد بجدارة.. كما نستحق نحن نساء البحرين أن نُنْسَبَ لها ونَزهوَ بها..
ليلى فخرو.. برحيلك خسرناك رمزاً من رموز التفاني في العطاء والوفاء في النضال..
يا سيدة الزمن الجميل.. زمن المحبة والتسامح والنضال الصادق.. زمن الوفاء والمبادئ السامية..
إلى جنة الخلد والراحة الأبدية أيتها الصديقة العزيزة والإنسانة الرائعة..


كلمات دالة: