في سلسلة الأكاذيب، أنتوني كوردزمان يقول أنا كنت أكذب...

جاءت الحلقة الجديدة في مسلسل أكاذيب السيدين جورج بوش وتوني بلير من البيت الأبيض يوم الخميس 25/5/2006، ليعلنا في مؤتمر صحفي بأنهما لم يرتكبا أخطاء في العراق، سوى فضيحة تعذيب المعتقلين في أبوغريب، وعملية اجتثاث البعث "التي كان يمكن أن تتم بطريقة أخرى" حسب تعبير السيد بلير. ولأن مسلسل الأكاذيب أصبح طويلاً، فقد نسي الثنائي الرئاسي بأن الوزيرة جوندليزا رايس قد صرّحت قبلهما بأيام بأن أمريكا قد ارتكبت آلاف الأخطاء في العراق، دون أن تحدد تماماً ما هي تلك الأخطاء.


ولكن انتوني كوردزمان، المحلل العسكري الأمريكي من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، قد حدد 46 خطأً من آلاف الأخطاء التي جاءت في تصريح رايس، فيما أعده دراسة استراتيجية حول الأخطاء الأمريكية قبل وبعد غزو واحتلال العراق (مجلة الوطن العربي، العدد 1522، الجمعة 5/5/2006)، والتي كانت سبباً في عمق الأزمة التي تعيشها القوات والإدارة الأمريكية هناك...
صنّف كوردزمان تلك الأخطاء في ثلاث فئات:
أخطاء قبل الغزو: حددها في خطأ تقديرات الاستخبارات حول التهديدات العراقية، وتضخيم التقديرات الدبلوماسية حول الدعم الدولي المحتمل وإجماع الحلفاء والأمم المتحدة لتأييد الحرب، والاعتماد على تقديرات المجموعات العراقية في الخارج ذات المصداقية المحدودة، إضافة إلى الفشل في تقدير الوضع الطائفي والأثني في العراق وما لحق ذلك من الفشل في توقع حرباً أهلية وطائفية، إلى فشلهم في التخطيط لإعادة البناء أو لبرامج مساعدات أولية. أما أهم ما ذكره المحلل من أخطاء هذه المرحلة فهو ما وصفه بعدم القدرة الأمريكية في فهم وتقدير طبيعة الوطنية العراقية وإن العراقيين سيعارضون الغزو ويعتبرونه احتلال معاد، وذلك يعني عدم توقعهم لقيام مقاومة وطنية عراقية شديدة البأس كالتي تواجههم اليوم.
أخطاء فترة السلطة المؤقتة (أبريل 2003-يونيو 2004): ويتحدّث فيها عن فشلهم في إيجاد عناصر عراقية مدنية ووطنية تقبل مشاركتهم، وما تم من نهب وسلب وتدمير لوزارات ومؤسسات الدولة، وحل الجيش وجهاز الأمن العراقيين، وتركيز سلطة الحكم وقيادة القوات الأمريكية في مناطق معزولة عن العراقيين. وأهم أخطاء هذه الفترة فهو ما قال عنه كوردزمان الفشل بتقييم طبيعة وقوة وحجم المقاومة العراقية بنزاهة عندما بدأت تنمو وتصبح أكثر خطورة.
الأخطاء المستمرة (يونيو 2004 حتى اليوم): أهمها حرمان العراق من القيادة العلمانية وطرد المسؤولين البعثيين، وإعادة هيكلة السلطة السياسية وفقاً للمحاصصة الطائفية، والتركيز الأمريكي على الانتخابات والسياسة أكثر من الحكم على المستوى الوطني، والتورط في عمليات عسكرية ضد المدن والقرى السنية وتدميرها والتقليل من أهمية التمرد السني، وفرق الموت وسجون التعذيب التابعة للداخلية العراقية، واستشراء الفساد في أجهزة الشرطة وما رافق ذلك من عمليات التطهير العرقي والطائفي، وعدم الجدية في التنمية وإعادة البناء بالإضافة إلى ما جاء في تقرير مدققي الحسابات من سوء إدارة الأموال (ما معناه سرقة الأموال العراقية بواسطة السلطات الحاكمة)، والتكلفة الباهظة لشركات الأمن الخاصة، وفي النهاية عدم الاعتراف بنزاهة عن كل تلك الأخطاء بل على العكس فإن الحكومة الأمريكية تخفف من المخاطر والمشاكل بالبروباغندا، بجانب إساءة استخدامها لاستطلاعات الرأي.
هذا عدد من الأخطاء الـ 46 التي جاءت في الدراسة الاستراتيجية لأنتوني كوردزمان، والتي تذكّرني بالسيد كوردزمان عندما وقف أمامنا في الذكرى الثانية لاحتلال العراق على منبر أحد المنتديات في البحرين وفي حضور جمهور من المثقفين البحرينيين والعرب مستعرضاً قوة الوضع الأمريكي في العراق، ومدى تقدّم واستقرار العراق الذي بدأ يقطف ثمار الحرية والديمقراطية التي طال انتظار الشعب العراقي لها... أي إن المحلل العسكري الأمريكي في تقريره الجديد يعترف بأنه كان يكذب على العالم طوال الفترة السابقة حول الحرب في العراق، وإنه كان يستهزئ من ذكاء الجمهور الذي كان يستمع له.
ترقبوا معنا الحلقات القادمة من مسلسل أكاذيب الديمقراطية الغربية التي لن تطول قبل أن يعلنوا هزيمتهم وانتصار مقاومة الشعب العراقي...