المعتقد النجادي في تحرير فلسطين

يذكر الكاتب الروسي بيوتر غونتشاروف، في مقال بصحيفة "نوفوستي" الروسية (9 يونيو 2006) إنه "بحسب خبير معهد بروكينغز الأميركي، فلينت لافبريت، فإن (الصفقة الكبيرة) التي اقترحتها إيران على الولايات المتحدة في 2003، تضمنت موافقة إيران على وجود دولتي إسرائيل وفلسطين، وتخلي طهران عن دعم المنظمات الإرهابية، وتعاونها مع الولايات المتحدة بالعراق وأفغانستان، ومحاربة القاعدة، وتوقيع إيران معاهدة أمن شامل مع بلدان الخليج. وطلبت إيران مقابل التزامها هذه الرزمة اعترافاً ديبلوماسياً أميركياً كاملاً، ورفع العقوبات الأحادية عنها، والتوقف عن السعي إلى تغيير النظام الإيراني" ويسترسل الكاتب في تحليله لأزمة الملف النووي الإيراني قائلاً "ومن المتوقع أن يضيف الرئيس الإيراني الحالي، محمود احمدي نجاد، إلى مقترحات 2003، حق إيران في تطوير تكنولوجيا الطاقة الذرية وتخصيب اليورانيوم. وهذا حق مهم لإيران، فهي في توق للتحول إلى قوة إقليمية رئيسة، والتساوي مع الدول الكبرى. ومن المرجح أن تبرم الولايات المتحدة وإيران هذه الصفقة". (الحياة 14 يونيو 2006)


رغم تأكدنا من زيف الإدعاء الإيراني في موقفها من القضية الفلسطينية، إلا إن الكشف عن هذه (الصفقة الكبيرة) السرية، وما تشمله من عرض إيراني للاعتراف بالدولة الصهيونية، يأتي كإثبات غير قابل للشك بزيف التصريحات النارية العلنية التي يطلقها الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، المُطالِبة بإزالة إسرائيل، وإثبات إن إيران تستغل ورقة فلسطين ودعاوى مساندة قوى "التحرر العالمية" لتحقيق مصالحها البحتة المتمحورة اليوم حول برنامجها النووي، وما سيحققه لها من قوة تؤهلها للهيمنة على الشأن الإقليمي أولاً وأخيراً.
أما هذه الادعاءات النارية العلنية التي يخاطب بها الرئيس الإيراني شعبه وقطاع من الشارع "الشيعي" في العالم، فلها خلفيات أخرى تم تأسيسها للإعداد الشعبي والجماهيري المساند لسياسات الجمهورية الإسلامية بشكل عام وملفها النووي بشكل خاص. وفي شأن تلك الخلفيات نستشهد برأي الدكتور سيد هادي محمودي، من كلية العلوم والقانون في جامعة طهران، والذي جاء رداً على سؤال وجهته له مجلة "الوطن العربي" (العدد 1522، الجمعة 5/5/2006)، عن الخلفية التي يستند إليها الرئيس الإيراني في تصعيده المستمر للمواجهة مع الولايات المتحدة. وبحسب الدكتور سيد هادي الذي يستشهد بخطاب الرئيس نجاد الذي بثه التلفزيون الإيراني من مدينة مشهد بشمال شرق إيران والذي ذكر فيه: "إن دخول إيران إلى مجموعة البلدان التي تمتلك التكنولوجيا النووية جاء نتيجة مقاومة الأمة الإيرانية وكخطوة تمهيدية لظهور المهدي المنتظر". وهذا ما يصفه محمودي بأنه "أفكار وعقائد الرئيس الإيراني، لا سيما ما يتصل منها بقرب ظهور المهدي المنتظر، الذي يبدو بشكل كبير أنه يقود تصورات نجاد لمفهوم (الأمة الإيرانية) التي لابد أن تتشكل وتتهيأ لاستقباله". وفي تفسيره للمعتقد النجادي يقول "فإن ظهور المهدي الذي قرب أوانه بحسب المعتقد النجادي يرتبط بوجود دولة قوية متقدمة تحظى بالمعارف والعلوم الحديثة وعلى رأسها بطبيعة الحال التكنولوجيا النووية. ومن ثم فإن كل التضحيات والعقبات والعقوبات يمكن تحملها لحين ظهور (المخلّص)"، وفي هذا يعطي الرئيس نجاد البرنامج النووي الإيراني القدسية بربطها مع الإرادة الإلهية. ويشرح الدكتور سيد هادي ذلك بقوله "هذا ما يفسر إلى حد كبير التركيز الذي يوليه الرئيس الإيراني منذ انتخابه على (المهدي المنتظر). ففي الخامس من يناير الماضي أكد أمام حشد من طلاب الدين في مدينة قم أن دعوة الإمام المهدي المنتظر صارت قريبة، وأن على المسلمين أن يستعدوا لاستقباله" ويذكر الدكتور هادي إن مهدي كروبي، الرئيس السابق، لمجلس الشورى الإيراني، أكد بعد تصريحات نجاد، أن بعض المقربين من الرئيس الإيراني قالوا إن عودة الإمام المهدي ستحدث في السنتين المقبلتين، وفي كلمة أمام حشد من الخطباء الإيرانيين، قال نجاد إن المهمة الرئيسية لحكومته تتلخص في تمهيد الطريق للعودة المجيدة للإمام المهدي، "وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 سبتمبر 2005 تعرّض الرئيس الإيراني بالحديث عن المهدي المنتظر مشيراً إلى أن هالة من النور كانت تحيطه إثناء إلقاء خطابه، وقد نشرت صحيفة (انتخاب) المحسوبة على التيار الإصلاحي إن نجاد وطاقم حكمه وقّعوا ميثاقاً مع المهدي المنتظر في أول جلسة لمجلس الوزراء، وقد كلّفوا وزير الثقافة، صفار هرندي بإلقائه في بئر جمكران في مدينة قم، حيث تُلقى الأموال والنذور والرسائل المراد أن يطّلِع عليها المهدي، كما رفض نجاد تخصيص جزء من أموال النذور لإنشاء طريق طهران-جمكران، بدعوى أن حكومته لم تأت من أجل قيادة الشعب، بل من أجل التمهيد لظهور المهدي المنتظر". أما التصريحات النارية التي يبعثها الرئيس الإيراني بخصوص محو إسرائيل من على الخريطة فيقول عنها الدكتور محمودي أن "هذا الخطاب الثوري هو في حقيقته مُكَمّل للتصور النجادي عن المهدي المنتظر الذي يتوقف ظهوره على محو إسرائيل من خريطة العالم الإسلامي، ونقلها إلى أوروبا أو أي مكان آخر خارج المحيط الإسلامي الذي يتهيأ لاستقبال المهدي". والتهيئة تتم بقيام دولة إيران الإسلامية النووية القوية التي ستحقق الشرط الأول لظهور المهدي المنتظر (المخلّص) من جور الظلم والحكّام الظالمين.
وهذا هو المعتقد النجادي في تحرير فلسطين، وهو معتقد لا دور فيه لأية مقاومة أو قوى مناهضة للاحتلال الإسرائيلي أو الأمريكي، والدور الحقيقي هو للرئيس نجاد وطاقمه الذين يجاهدون لتلبية الإرادة الإلهية بالحصول على القوة النووية التي ستخلق جمهورية إسلامية "قوية متقدمة تحظى بالمعارف والعلوم الحديثة" التي ستعمل على "محو إسرائيل من خريطة العالم الإسلامي، ونقلها إلى أوروبا أو أي مكان آخر خارج المحيط الإسلامي" حسب المعتقد النجادي، وهما الشرطان الرئيسيان، لظهور واستقبال الإمام الغائب "مهدي المنتظر" الذي يعتقد المقربين من الرئيس الإيراني بأنه سيظهر خلال السنتين المقبلتين (2006-2007).