استباحة الإنسان بعد استباحة الأوطان - هذا المستقبل المنظور لشعب الخليج العربي

شيّع أبناء البصرة جثمان الشهيد فارس حسن، الذي قتلته القوات الإيرانية يوم 14 يناير/كانون الثاني 2006 في المياه الإقليمية العراقية وهو يقوم بواجبه الرسمي في تعقب المراكب التي تقوم بأعمال التهريب في شط العرب. كان الشهيد في مفرزة نهرية عراقية بدأت بتعقّب مركب تجاري مشتبه به يحمل علماً عراقياً، وعندما اعترضته المفرزة وسط شط العرب تبيّن أنه يقوم بتهريب الديزل العراقي إلى إيران، وأنه يحمل علماً إيرانيا أيضا. حينذاك قامت مفرزة بحرية إيرانية بالتوجه صوب المفرزة العراقية وإطلاق النار على جنود البحرية العراقيين فأردوا أحدهم قتيلا، ثم قاموا بأسر الجنود الثمانية الآخرين.
كابتن المركب الذي تم اعتراضه كان إيراني الجنسية (اسمه حميد عبد المجيد نجاد)، وكانت تأشيرة الخروج للمركب إلى دولة الإمارات، بينما كان متوجها نحو الشواطئ الإيرانية، ويعتقد أن هذا الكابتن كان على صلة بالجيش الإيراني حيث قام بإبلاغ خفر الشواطئ الإيرانيين والذين هرعوا لإنقاذه بقوة كبيرة أجبرت الدورية العراقية على الاستسلام. ولا يعرف ماذا كانت المهمة الحقيقية لهذا الكابتن الإيراني في الشواطئ العراقية.


أنكرت الحكومة الإيرانية عِلمَها بهذا الحادث واتهمت الادعاءات العراقية بأنها كاذبة، إلا إنها اعترفت به بعد ذلك وسلّمت الجثة والأسرى إلى العراق دون تقديم أي اعتذار رسمي وتعويض لذوي الشهيد.
ولأن لا سيادة للعراقيين حتى في وطنهم، صمَتَ الطالباني والجعفري والحكيم وبيان صولاغ عن هذه الجريمة التي ارتُكِبَت في وضح النهار ضد سيادة الدولة العراقية مباشرة، ولم تصدر أية إدانة رسمية أو شكوى أو مطالبة بدفع التعويضات لذوي الشهيد والأسرى من أي طرف رسمي عراقي.
أما نحن، فإننا ننشر هذه الحقائق رغم علمنا بما سوف يمارسه الشعوبيون ضدها من تكذيب أو بتر وتشويه، لأننا على يقين بأن سياسة الكذب التي يمارسها أولئك ضد أبناء المنطقة أصبحت مكشوفة ولم تعد تجدي نفعاً... ومما يؤسف له حقاً هو إن ما يُرَوّجه أولئك من أكاذيب يتم تغليفه بشعارات دينية لحجب الحقيقة من جهة، ولكسب ولاء العقول البسيطة من جهة أخرى، ومن خلف ستار الدين تُمَارَس كل السياسات اللاإنسانية والعنصرية ضد الأمة العربية والإسلامية المختلفة عنهم في الهوية والعقيدة...
هذا الحادث وكل تلك الحقائق، التي تُسَرّب إلينا من داخل السرداب العراقي المحكم الإغلاق أمام الإعلام، حول ما يمارسه أعداء العروبة والإسلام في المعتقلات العراقية السرية والعلنية، من إذلال وتعذيب وإهدار لكرامة ودم العراقيين، وما يمارسوه من استباحة وهتك لسيادة العراق المحتل جواً وبحراً وبراً، كل ذلك يكشف طبيعة الاحتلال المتعدد الأطراف، ويوضح هوية المحتلين الذين انقضوا على العراق للانتقام منه وتدميره تدميراً كاملاً، بما في ذلك تدمير الإنسان العراقي الذي من شأنه أن يقاوم ويرفض الاحتلال والإذلال.
وبنشر هذه الحقائق نضع أمام الشعب العربي عموماً والخليجي خصوصاً، وأمام الأنظمة وأصحاب القرار في منطقتنا العربية، صورة واضحة المعالم لمصير الإنسان العربي في ظل السياسات الرسمية العربية الخانعة والتابعة... ومن هذا الحادث، ومما يحصل داخل العراق، من عمليات القتل المنظم لكل العقول العراقية المخلصة، وعمليات الاغتيالات التي تمارس على الهوية ضد هذا الشعب في كل المدن العراقية، نوجه دعوة مخلصة للتأمّل في مدى استباحة وإذلال الإنسان العراقي بعدما استُبيح وطنه وتَسَيّدها الأعداء التاريخيون للعراق وللعراقيين، فأصبحت قيمة حياة العراقي لا تزيد عن قيمة تلك الرصاصة التي أنهت حياة فارس حسن...
وبنشر هذه الحقائق نهدف إلى الكشف عن هذه المآسي التي تحدد أطر الصورة المستقبلية التي تنتظرنا نحن أبناء الخليج على المستوى المنظور، إذا (لا سمح الله) نجح المشروع الأنجلوأمريكي-الصهيوصفوي في العراق... إنه استباحة الإنسان بعد استباحة الأوطان.
هذا هو المستقبل المرسوم لشعب الخليج العربي... ولإفشاله يجب أن يفشل المشروع الاستعماري برمته، وهذا ما أنجزت فيه المقاومة العراقية نجاحات باهرة... لذلك نعلن، من بين كل ذلك الخضم، إن هذه المقاومة هي القوة الوحيدة المخلصة والقادرة على الدفاع عنا وحماية مستقبلنا بعد أن ثبت أن أنظمتنا، حتى يومنا هذا، تدور في فلك أعدائنا التاريخيين... فساندوا المقاومة في العراق، فهي أملنا في مستقبل كريم واعد...
فما رأي أصحاب القرار؟!...