ماكينة الكذب الأمريكية . .

كان العالم في أوج انشغاله بالتهديد الأمريكي الإسرائيلي للمشروع النووي الكوري الشمالي في مارس 2003، وإذ بالضربة الأمريكية تأتي على العراق الخالي من النووي ليتم عزو هذا البلد العربي واحتلاله وتدميره، بينما توجه المفاوضون الأمريكية إلى كوريا الشمالية لإزالة الخلاف حول مشروعها . . وها نحن نعيش ذات السيناريو اليوم، إذ نجح الإعلام في إشغال العالم حول ضربة أمريكية إسرائيلية محتملة ضد البرنامج النووي الإيراني، في الوقت الذي يتم فيه تسديد الضربة الحقيقية ضد سوريا، إضافة الى ما يحدث في العراق بما فيه موافقة الكونجرس على قرار تقسيمه.
التهديد لإيران، والضربة لسوريا . . فبعيداً عن جذب اهتمام الإعلام، ومن دون أي احتجاج عربي رسمي، اخترق الطيران الإسرائيلي العمق السوري وقصف قاعدة عسكرية سورية . . وطار الكوماندوز الإسرائيلي مئات الكيلومترات وقام بإنزال على مدينة دير الزور السورية مدعياً أنه دخل منشآت صناعية ووجد فيها مواد مستخدمة في مشروع نووي سوري تثبت التعاون مع البرنامج الكوري الشمالي . . وبعد أيام من هذا الحدث جاء تصويت الكونجرس الأمريكي بنسبة 75% لصالح تقسيم العراق . .

كل هذا والعرب منشغلون بإدعاءات الضربة القادمة ضد إيران وحرصهم على إقناع الولايات المتحدة بالعدول عن هذه المعركة المفترضة التي يصر الجميع على أن المنطقة لم تعد تتحملها . . وهكذا تستمر ماكينة الكذب الأمريكية في عملها بتوجيه انتباه العالم إلى دهاليز صراعات افتراضية بينما الخطة الأمريكية الغربية يتم تنفيذها ضد العرب والمنطقة العربية كلها.
والأكثر فزعاً في كل هذا أن قادة الرأي والحكم في المنطقة العربية مازالوا مستمرين في انجرارهم وراء هذه الأكاذيب الأمريكية التي باتت أسخف من أن يصدقها جاهل، بينما المصالح العربية كلها تقع تحت تهديد غربي أمريكي مباشر، والخطط الأمريكية التي يتم حبكها من داخل لبنان إلى داخل المنظمة الدولية (المحكمة الدولية في قضية الحريري) كلها تستهدف سوريا ولبنان مباشرة في إطار المشروع الأمريكي لتفتيت وتقسيم المنطقة وإضعافها.
أما في العراق فقد ابتدعت الولايات المتحدة كل عناصر ومتطلبات تقسيمه، حتى تمكنت الإدارة الأمريكية من إقناع الكونجرس (والهدف هو إقناع العالم) بضرورة تقسيمه بسبب الدمار الكامل الذي لف كل البلاد والعباد والتدهور الأمني الشديد في كل مدنه ومحافظاته، رغم أن الدمار والحالة الأمنية المتدهورة أوجدهما الاحتلال بسبق الإصرار والتعمد، بالغزو والاحتلال وانتشار أكثر من 250 ألف عسكري أمريكي و 200 ألف مرتزق غير نظامي ومئات العصابات والمليشيات وفرق الموت في كل محافظاته ومدنه وأحيائه وأزقته. . وتعاون هؤلاء جميعاً، على مدى أكثر من 4 سنوات عجاف، في عملية منظمة لنشر العنف والفوضى وتدمير العراق ونشر المحاصصة الطائفية والاقتتال بين العراقيين . . هذا من دون أن ننسى تلك السنوات الـ 13 التي عاشها هذا الشعب في ظل الحصار الاقتصادي الجائر وغير الإنساني . . حتى توصلت الولايات المتحدة إلى غايتها الرئيسية، وهي ايجاد حالة تسند خطتها لتقسيم العراق وإنهاء وجوده كدولة.
لذلك جاء تصويت الكونجرس الأمريكي لصالح التقسيم بدعوى أن بناء هذا البلد واستتباب الأمن فيه لا يمكن أن يتم إلا في إطار تقسيمه، ورسم حدود فاصلة، بين الأقاليم الثلاثة، السنية والشيعية والكردية، التي رسمتها ماكينة الكذب الأمريكية في عام 1991 بخطوط ومناطق حظر الطيران في الجنوب والشمال العراقي . . ولاتزال هذه الماكينة مستمرة في إدعائها بأنها لا تريد تقسيم العراق، وإنما ظروف البلد تفرض هذا التقسيم . . ومازال هناك من يُصدّق هذه الأكاذيب السمجة التي وسمت السياسة الأمريكية بالوحشية التي تصل إلى حد امتصاص دماء البشر . . والساسة الأمريكان بمصاصي الدماء.
ولأن خطط تفتيت وتدمير المنطقة ليست مقتصرة على العراق، فإننا نجد سوريا تسير نحو مصيرها الأمريكي وكأنه مصير محتوم . . (بسياساتها الحكيمة)، نرى في الجانب الأخر القادة العرب في سبات يعتقدون أن المشروع الأمريكي الذي يتم الحديث عنه لا يتعدى أن يكون من نتاج عقلية ونظرية المؤامرة التي يرون أنها خيال مريض لا يمت للواقع بصلة . . وفي هذا دليل قاطع على اعتماد هؤلاء القادة على رؤية ذات بعد أحادي، ورفضهم حتى لنظرية الاحتمالات العلمية التي لا يمكن تجاهلها في علوم السياسة . . ولذلك تلقى ماكينة الكذب الأمريكية نجاحاً ورواجاً كبيراً في منطقتنا العربية .