كما يسمون المقاومة إرهاباً . . يصورون العميل ناشطاً، والخيانة نضالاً . .

لم يعرف زمن عربي هذا الكم من الاندحار في الوعي والمشاعر والاحساس الوطني كالزمن الذي نعيشه . . فبعد أن كانت هذه الأمة، بأبنائها وشوارعها الرافضة للاستعباد والاذلال تواجه أطماع الغرب المستعمِر والمستعبِد للشعوب وخيراتها، باتت اليوم تواجه أطماع الشرق والغرب، الأكثر إذلالاً واستعباداً ودموية، باستسلام لا شبيه له في تاريخ البشرية، حتى يصل في بعض مفاصله إلى حد التعاون العلني وبافتخار ينضح بالذاتية والدونية . . فنحن نعيش زمن اليمين الأمريكي، ضحالةً وتخاذلاً وخسةً . . بعد أن نجحوا في تشويه وعي جيل عربي وغسله من كل القيم والمُثل والمبادئ العليا التي تميزت بها الثقافة العربية . .
نجح الغرب بامتياز في خلق وعي عربي مسطح، ونجح في دفع هذا القطاع السطحي إلى مقدمة الصورة والحدث، يخفون به الصورة الغالبة للعربي الرافض والمقاوم للمستعمر والمحتل . . ويضيئون الطريق أمام جحفل هؤلاء المتخاذلين وفتحوا لهم الأبواب الموصدة، ليتكلموا وكأنهم كل الوطن، لا بل كل الأمة . .


نعم، نجحوا بعملية التسطيح، حتى بات سهلاً إقناعهم بالإرهاب الذي رسموه في شكل العربي المسلم الدموي . . فلم يعد هذا الغرب يحمل أي هم، أو يعمل حساب أي انتفاضة عربية، وهو يضرب كل حركات التحرر والمقاومة العربية بذريعة الحرب ضد الإرهاب . . فهذا الوعي المسطح لم يعد يملك أدوات ثقافية قادرة على فك رموز وشفرات التضليل الاعلامي المسيطر على عقله وقلبه، فأصبح بوقاً معيناً وأداة رئيساً في ترديد تلك الأضاليل وتسهيل دورها . . وهكذا أصبحت هذه الفئة المسطحة هم الدعاة والناشرون للدعوة الغربية التي تستهدف أوطانهم وأرزاقهم وأعراضهم وحتى شخوصهم التي باتت صورة يخيفوا بها أطفالهم ونساءهم في الأفلام والإعلام . .
والمصيبة إن هذه الفئة الهزيلة لا تعلم بهذه الحقائق، فبات أكثرهم هزالة وهزلية يهرولون ما بين البرلمانات وبيوت الدراسات الغربية وبين ما يدعي بمراكز المنظمات الحقوقية لمقايضة صانعي القرار الاستعماري، أن ينقذوهم من شرور الحكم في بلدانهم، مقابل فتح الأرض والعقل والقلب للأجنبي ومصالحه . . والمصيبة الكبرى إن هؤلاء باتوا يتكلمون بإسم الأمة والمواطن، وهم لم يبلغوا حتى الرشد الثقافي والمعرفي، بل هم مرفوضون من أكبر قطاع شعبي . . فيا ترى بأي توكيل علمي أو وطني أو إنساني تقبل هذه المؤسسات الاستعمارية بهؤلاء الأشخاص الذين أقل ما يمكن أن يوصفوا به في حالة كهذه هي الخيانة الوطنية، في زمن يريد اليمين الغربي أن يقنع العالم إن لا حرمة ولا سيادة للأوطان . .
والمصيبة، إن التسطيح الفكري، والتدني المعرفي، والغرور المشحون بالذاتية المطلقة، يجعل هذه الفئة هي الأبعد عن فهم الواقع اليومي والسياسي الذي يجري على الأرض العربية . . إنها لا تعلم أن اليمين الغربي بات يترنح تحت ضربات العرب المقاتلين الأبطال . . وإنهم يخططون في الزمن الضائع بحثاً عن مخرج يحفظ لهم دوراً في تشكيلة النظام العالمي القادم بعد اندحارهم . . وفي هذا الزمن الضائع لم يجدوا، في بحريننا وخليجنا، من يقبل بالتنازل عن المبدأ والوطن سوى بعض الصغار الباحثين عن فاصل في الإعلام يعطيهم شأناً لم يملكوه يوماً . . فكان هذا الفاصل الإعلامي للأسف هو فاصل المهرجين ،الشبيه بالفاصل التهريجي الذي أوصل المهرجين الأوائل إلى العراق على دبابات الأمريكان . .
والعاقل من يأخذ العبرة والدرس من التاريخ القريب والبعيد . . والتاريخ يؤكد أن من طبيعة الإنسان رفض ومقاومة الاستعباد والاستعمار الأجنبي، وأن الوطن فوق كل اعتبار . . نعم كل اعتبار . .


كلمات دالة: